REQUIRED IMAGE

REQUIRED IMAGE

مقال

الإسلاميون الجدد في مصر: تشجيع الإصلاح من داخل الحركات

منحت الثورة المصرية زخماً للإصلاحيين الإسلاميين داخل جماعة الإخوان المسلمين الذين يشعرون منذ وقت طويل بالاستياء من القيادة المحافظة. فمن هم الإصلاحيون وما هو الدور الذي يؤدّونه في المرحلة الانتقالية في مصر؟

 أشرف الشريف
نشرت في ١٢ يناير ٢٠١٢

مرةً أخرى أظهر الإخوان المسلمون في مصر، من خلال دورهم في الثورة، قدرة لافتة على تكييف سلوكهم وخطابهم مع الظروف الجديدة. فقد تمكّنت الجماعة من التعاون مع تيّارات معارِضة أخرى على الرغم من الاختلافات الأيديولوجية الواضحة بينها وبين تلك المجموعات، فيما تبذل جهوداً دؤوبة للظهور في صورة القوة السياسية الوسطية التي تستطيع إرساء نظام سياسي جديد في مصر. بيد أن الثورة خلقت أيضاً تحدّياً داخلياً لقيادة الجماعة، يتمثّل في صعود مجموعة من "الإصلاحيين" الإسلاميين الذين حصلوا على جرعة زخم ويعارضون بشدّة أجندة الإخوان المسلمين الإصلاحية التي ينعتونها بالخجولة للغاية. ليست الخلافات الجدّية في صفوف الإخوان المسلمين بالأمر الجديد، لكنّها تكتسب الآن أهمّية غير مسبوقة. فانشقاق الإصلاحيين من الإخوان المسلمين عن قيادتهم المتشددة أتى مطابقاً لتوقعات عدد كبير من المراقبين.

برز مصطلح "الإصلاحيون" (وهو ذو صلة بجماعة الإخوان المسلمين) حوالى العام 2004 كتوصيف مبهم استخدمه الإعلام المصري للإشارة إلى عناصر الإخوان المسلمين الذين كانوا مستائين من القيادة السلطوية لمكتب الإرشاد ويطالبون بحرية أكبر للنقاش والمساءلة داخل الجماعة، وبتعزيز مشاركة النساء والشباب، واعتماد قواعد أكثر شفافية في عملية صنع القرارات. وهكذا، باتت الكلمة تشمل مجموعة أشخاص من أعمار مختلفة (20-50 عاماً)، ومهن متنوّعة (معلّقون سياسيون، مجتمع مدني، قادة طالبيون، ناشطون سياسيون، وروّاد في الإعلام الاجتماعي)؛ كما تتنوّع أماكن إقامتهم (إنهم قادمون من البلدات الصغيرة والمدن الكبيرة على السواء) وتتباين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.

يطالب الإصلاحيون بأن تتم مقاربة النصوص الإسلامية باعتماد نهج أكثر إبداعاً، ويصرّون على ضرورة تبرير قيم الديمقراطية والمواطنية من منظور إسلامي. والأهم، أنهم يؤمنون بوجوب إجراء إصلاح عقائدي وتنظيمي واسع النطاق، يؤدّي إلى فصل شبكات المشاركة السياسية في الحزب عن أنشطته الدعويّة.  

هؤلاء الناشطون كانوا من الأشخاص الأكثر حيويّة في التعبئة الشبابية التي قادت إلى الانتفاضة في يناير/كانون الثاني الماضي. وهم من حضّوا القادة الكبار في الإخوان المسلمين على المشاركة في الانتفاضة بعد مرحلة التردّد التي عاشتها الجماعة في البداية. ويعتبر الإصلاحيون في نقاشاتهم مع المحافظين في الإخوان المسلمين أنه يمكن استيعاب "الحماس الشبابي" بنجاح في حزب إسلامي حديث. وفي أبريل/نيسان العام 2011، عقد الإصلاحيون في الجماعة مؤتمراً ليومَين في القاهرة من أجل توضيح هذه الأجندة. فقاطعه قادة حزب الحرية والعدالة الذي شكّله الإخوان المسلمون مؤخراً.

واقع الحال أن القيادة المحافظة في الجماعة رفضت التوقّف عند أيّ من هذه الانتقادات لإجراء مراجعة ذاتية، خوفاً من أن يثير ذلك نفوراً عند القاعدة الأكثر محافظة ويدفع بها نحو أحضان السلفية. وأعطى هذا الجمود حافزاً لبعض الشخصيات المرموقة كي تُقدِّم استقالتها من الإخوان المسلمين، ومنهم ابراهيم الحديبي، حفيد المرشد السادس للجماعة، الراحل مأمون الحديبي. وكان ملفتاً خروج عبد المنعم أبو الفتوح (الإصلاحي الأبرز)، من مكتب الإرشاد في انتخاباته الداخلية الأخيرة قبل الثورة. وقد بلغت التشنّجات ذروتها عندما جرى تعليق عضويّته في جماعة الإخوان المسلمين في مايو/أيار الماضي، بعد ان أعلن عن نيّته الترشّح للانتخابات الرئاسية على الرغم من أن الجماعة اتّخذت قراراً رسمياً بعدم تقديم مرشّح للرئاسة.  

مواقف رسميّة مشابهة اتّخذها "الإخوان المسلمون" خلال المرحلة الانتقالية، زادت من نفور الإصلاحيين ودفعتهم إلى موقف دقيق. وهكذا انتقدوا الإلتزام المحدود لحزب الحرية والعدالة بمعالجة المسائل المتعلّقة بإصلاح الدولة، مثل إعادة هيكلة الشرطة والقضاء، والتخلّص من الشبكات والموارد السياسية للنظام السابق، ودعم حقوق العمّال في تنفيذ إضرابات للمطالبة بتحسين ظروف العمل. كما أنهم ينتقدون قرار الحزب عدم ممارسة ضغوط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكذلك إحجامه عن الانضمام إلى القوى الثورية العلمانية المستاءة التي بدأت بالنزول إلى الشارع من جديد في 8 أبريل/نيسان الماضي.  

دفعت نشوة النجاح بالإصلاحيين الساخطين إلى البحث عن منتديات سياسية بديلة. وقد استقال عدد كبير منهم من الإخوان المسلمين، كما طرد مكتب الإرشاد عدداً كبيراً آخر على إثر تحقيق رسمي في "انتهاكاتهم لتنظيمات الجماعة". حزب التيار المصري الذي أسّسه إسلام لطفي ومحمد القصاص في يونيو/حزيران الماضي هو أكبر الأحزاب البديلة الجديدة. وهو يضم عضوَين بارزين آخرين هما أحمد نازلي وعمار البلتاجي الذي تستوقفنا عضويّته في الحزب الجديد نظراً إلى أن والده، محمد البلتاجي، هو شخصية قيادية أساسية وكثيرة الظهور إعلامياً في حزب الحرية والعدالة. كما تحدّى بعض الأعضاء في حزب التيار المصري، على غرار محمد عثمان ومحمد عفان وعلي المشد، تحذيرات الإخوان المسلمين وانضمّوا إلى الحملة الرئاسية التي يخوضها عبد المنعم أبو الفتوح. 

ظهر أيضاً حزبان سياسيان أصغر حجماً هما النهضة والريادة. أعضاؤهما أكبر سناً في شكل عام من أعضاء التيار المصري الذي يحظى بتفضيل واسع في أوساط أغلبية شباب الإخوان المسلمين الذين كانوا ناشطين خلال الثورة. ويتولّى رئاسة النهضة إصلاحيان مخضرمان هما ابراهيم الزعفراني ومحمد حبيب (النائب السابق للمرشد العام للإخوان المسلمين الذي استقال من الجماعة رفضاً لما اعتبره حملة اغتيال معنوي استهدفته خلال انتخابات مكتب الإرشاد العام 2010). أما حزب الريادة فيتمركز في شكل أساسي في الإسكندرية، ويرأسه خالد داود الذي ينتمي إلى جيل السبعينيات الإصلاحي، ويضم شخصيات معروفة في المجتمع الأهلي كانت تنتمي سابقاً إلى الإخوان المسلمين مثل هيثم أبو خليل وعمرو أبو خليل وخالد الزعفراني. وعلى الرغم من أن حزبَي النهضة والريادة لايزالان في المرحلة الأولى من التطوّر على مستوى العمل السياسي، إلا أنهما يتشابهان إلى حد كبير في النظرة الإستشرافية والخلفية. والسبب في إنشاء حزبَين منفصلين هو العداوة الشخصية بين أنصارهما. فقد قال هيثم أبو خليل إن أعضاء الريادة لايوافقون على "أسلوب القيادة السلطوية" التي يمارسها زعيم النهضة، ابراهيم الزعفراني.

تبذل هذه الأحزاب الجديدة جهوداً دؤوبة للاقتداء بحزب العدالة والتنمية المغربي، مع التركيز بشكل خاص على الفصل بين المهمّتَين السياسية والدعويّة وإطلاق مبادرة تصالحيّة إجتماعيّة. فعلى سبيل المثال، يعلن حزب التيار المصري أن الإسلام هو مجرد عنصر واحد في تعدّدية من الهويات الثقافية التي تشكّل المجتمع المصري المعاصر. وتحاول تلك الأحزاب أيضاً اللعب على وتر المطالب الاقتصادية والاجتماعية للقوّة العاملة الشابّة ومهنيّي الطبقة الوسطى المحرومين نسبياً، الذين كانوا في قلب انتفاضة 25 يناير/كانون الثاني. وهي تدعو في برامجها الانتخابية إلى نصرة حقوق الإنسان وتنمية المجتمع بدلاً من التنظير السياسي عن إنشاء دولة إسلامية.

الاختلافات بين هذه الفصائل المنشقة والإخوان المسلمين عميقة جداً، إلى درجة أن عدداً كبيراً من الأعضاء السابقين في الإخوان المسلمين يجدون في الحركات غير الإسلامية رفاقاً أكثر جذباً من إخوانهم الإسلاميين. في الواقع، تناقش كل الأحزاب الإصلاحية الجديدة جدوى إعادة التموضع في اليسار الوسط والتحالف مع فاعلين سياسيين ليبراليين ويساريين غير إسلاميين في جبهة تسمو فوق الانتماءات على أساس الهوية.

هذا ما فعله حزب التيار المصري وحزب النهضة اللذان دخلا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في تحالف "الثورة مستمرّة" مع أحزاب اشتراكية مثل حزب التحالف الشعبي الاشتراكي وحزب المساواة والتنمية وأحزاب ليبرالية معتدلة مثل حزب مصر الحرية. وقد قدّم هذا التحالف 306 مرشّحين في 33 دائرة انتخابية: 280 على لوائح انتخابية موحَّدة (من أصل 332 مقعداً) و26 (من أصل 166 مقعداً) تنافسوا على المقاعد المستقلّة في مجلس الشعب المؤلّف من 508 مقاعد. وينتمي 32 من هؤلاء المرشّحين إلى حزب التيار المصري (وبينهم لطفي والقصاص).

على الرغم من هذه التطوّرات، لايزال الإصلاحيون في الإخوان المسلمين غير ذي شأن انتخابياً نظراً إلى افتقارهم إلى النفوذ المالي والموارد التنظيمية. كما أن بعثرة صفوفهم تطرح إشكالية. فهم لم يتمكّنوا حتى الآن من الفوز بمقعد واحد في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية (على الرغم من أن الأحزاب الأخرى في تحالف الثورة مستمرّة فازت بعشر مقعداً). من الواضح أنه على الإصلاحيين الإسلاميين الجدد أن يقطعوا شوطاً طويلاً قبل أن يتمكّنوا من الاقتداء بالهيكليات الحزبية الممتازة والكفاءة الانتخابية العالية التي يتمتّع بها حزب العدالة والتنمية المغربي. 

لكن على الرغم من أدائهم السيئ في هذه الانتخابات، لايمكن تجاهل أهمّيتهم بالنسبة إلى المرحلة الانتقالية في مصر. صحيح أن هذا لم يتّضح بعد في صناديق الاقتراع، لكنهم ضربوا على وتر أساسي لدى جيل من الناشطين الإسلاميين والمهنيين الشباب المنتمين إلى الطبقة الوسطى، والذين لايلبّي خطاب حزب الحرية والعدالة تطلّعاتهم إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية. إنهم يعيدون رسم ملامح خطاب إسلامي جديد حول الحوكمة الرشيدة والديمقراطية والتنمية، ما يساهم في الحد من الاستقطاب بين الإسلاميين والعلمانيين الذي لطالما حال دون تطوّر سياسة حزبية موجّهة نحو السياسات العامة (بدلاً من الاستناد إلى الهويّة).

أشرف الشريف أستاذ في الجامعة الأمريكية في القاهرة. متخصّص في الإسلام السياسي.

لمزيد من المعلومات عن الأرقام والأحزاب المشار إليها في هذا المقال، يرجى الاطلاع على دليل كارنيغي عن المرحلة الانتقالية في مصر.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.