المصدر: Getty
مقال

حوار مع الصحافي المغربي علي أنوزلا

"لقد أثبتت 15 سنة من حكم محمد السادس عدم وجود إرادة سياسية لتحرير الإعلام العمومي أو ضمان حرية الصحافة المستقلة."

 علي أنوزلا و المعطي منجب
نشرت في ٢٠ فبراير ٢٠١٤

ماهي الأسباب المباشرة والرسمية لاعتقالك يوم 17 شتنبر 2013 وهل كان لطبيعة كتاباتك وانتقادك لنظام الحكم في المغرب ولبعض الأنظمة المقربة منه دورا فيما وقع لك وللجريدة التي كنت تشرف عليها؟ 

الأسباب الرسمية لاعتقالي، كما أعلنت عنها السلطات القضائية المغربية، تتمثل في نشر رابط فيديو منسوب إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، اعتبرت السلطات المغربية أنه "يحرض على العنف ضد المؤسسات المغربية". وتتم متابعتى حتى الآن في حالة سراح مؤقت، في إطار قانون الإرهاب، بتهم "تقديم أدوات لتنفيذ جريمة إرهابية، والإشادة بأفعال تكون جريمة إرهابية".

لكني أعتبر أن هناك أسباب سياسية وراء اعتقالي ومتابعتي، تكمن في الخط التحريري المستقل والمهني لموقع لكم، وسلسلة المقالات والتحقيقات المهنية التي كان ينشرها الموقع وتكشف عن مواطن الفساد داخل الدولة المغربية وتنتقد مراكز السلطة الحقيقية في البلاد وطريقة تدبيرها للملفات الكبرى.

غالبا ما كانت مقالاتي مثار جدل وسط الساحة السياسية والإعلامية المغربية، بسبب جرعة الجرأة التي كانت تتحلى بها. وقد جرت علي هذه المقالات انتقادات من طرف سياسيين وإعلاميين موالين للسلطة، ووصل صدى هذه الانتقادات التي تُخونني وتُشكك في انتمائي الوطني، إلى البرلمان المغربي. وتم إطلاق مواقع رقمية وصحف ورقية بتمويلات "مشبوهة" باتت متخصصة في انتقاد كل الأصوات المنتقدة للسلطة في المغرب بما فيها صوتي، حيث كنت ومازلت أتعرض لحملة تشويه لا أخلاقية تستهدف سمعتي وكرامتي وعرضي وذمتي ومصداقيتي من طرف هذه المواقع والصحف "المشبوهة"، وحتى عندما رفعت ضدها قضايا أمام المحاكم المغربية بتهمة القذف والسب، تم رفض هذه الدعاوي وكل مرة لأسباب واهية.

وماذا عن موقع لكم؟

عندما كنت معتقلا أصدرت بيانا أعلن فيه عن توقيف الموقع مؤقتا حتى استعادتي لحريتي بما أنه لم يكن من الممكن أن أتحمل مسؤولية ما ينشر فيه وأنا رهن الاعتقال. لكن السلطة اعتمدت على هذا البيان لحجب الموقع على كل التراب المغربي، وهذا ما اعتبره قرارا تعسفيا، خاصة أنه بعد خروجي من السجن طلبت رفع هذا الحجب ومازالت السلطة لم تستجب لطلبي. وفي انتظار عودة لكم شرعنا في الإعداد لإطلاق نسخة جديدة: لكم2 بنفس الخط التحريري المستقل والمهني.

تم تمتيعكم بالسراح المؤقت بشكل غير منتظر استغربه البعض. هل كنت تنتظر ذلك وما هي أسباب هذا "التعامل المتسامح" مع مواطن متهم رسميا بمساعدة مادية لأفعال إرهابية؟

ما كنت متيقنا منه منذ أول يوم اعتقلت فيه هو براءتي من كل التهم المنسوبة إلي، واعتقد أنه، بعد التحقيق معي، لو كانت هناك مجرد شبهة بأن لتلك التهم ما يسندها لما أطلق سراحي دون أن يعني ذلك أنه تمت تبرئتي نهائيا منها، فأنا مازلت متابعا في حالة سراح مؤقت، وأعيد التأكيد، هنا، مرة أخرى على تشبثي ببراءتي الكاملة من كل ما هو منسوب إلي في انتظار براءتي التامة واستعادتي لحريتي الكاملة. 

كيف تقدر تأثير هذا الاستهداف والضغوطات التي سبقته على عملك كصحافي وعموما على حرية الصحافة في المغرب؟

الضغوط والمضايقات على كل خط تحريري مستقل لم تبدأ معي ولن تنتهي معي أيضا مادام لم يقم في المغرب نظام ديمقراطي يحترم حرية الرأي والتعبير. فقد أدت هده الضغوط إلى خنق ما سمي بالصحافة المستقلة التي ظهرت في المغرب نهاية التسعينات. وبالنسبة لي فقد تعرضت لمضايقات وضغوطات مند إصداري أول مرة لجريدة مستقلة عام 2005، هي الجريدة الأخرى. وتعرضت لمحاكمات وتضييق على مصادر الإعلان عندما كنت مديرا لنشر الجريدة الأولى، التي أغلقت بسبب هذه المضايقات مجتمعة عام 2010. ومنذ إطلاق موقع لكم، قبيل اندلاع ثورات الربيع العربي، بأسبوعين ونحن نعاني من حصار إعلاني غير معلن، ومن هجمات إلكترونية مكثفة على "خادوم" (Serveur) الموقع من جهات مجهولة، وحجب للموقع داخل مؤسسات عمومية وشبه عمومية، ومن حملة تشويه منظمة من قبل مواقع رقمية وصحف مقربة من السلطة، ذات تمويل مشكوك في مصدره بالإضافة إلى التحقيقات والمتابعات القضائية التي مازالت متواصلة، حتى بعد اعتقالي ومتابعتي بتهم خطيرة وخيالية.

لقد أدت مثل هذه السلوكات إلى قتل ما سمي بـالصحافة المستقلة في المغرب، ودفعت صحافيين مستقلين إلى نفي أنفسهم خارج بلادهم، وحولت ما بقي من صحافة خاصة، إلى صحافة "علاقات عامة"، دون الحديث عن الإعلام الرسمي الذي مازال يستعمل كأداة لـ "البروباغندا" على غرار ما هو معمول به داخل الأنظمة الشمولية والسلطوية.

هل يمكن اعتبار هذا الاستهداف رسالة إلى باقى الصحفيين المغاربة؟

استهداف الصحفيين المستقلين هو رسالة، ليس فقط إلى باقي الصحافيين وإنما إلى كل الأصوات الحرة في المغرب التي تطالب بالديمقراطية والحرية والكرامة. وإذا كان الصحافيون المستقلون هم أكثر عرضة لاستهداف السلطة فإن الظروف الموضوعية التي يعيشها المغرب هي التي وضعتهم في خط المواجهة الأولى مع السلطة بعد تراجع دور المعارضات الحزبية والنقابية. وهو موقع لم يختره الصحافيون المهنيون والمستقلون. إلا أن دور الصحافة كـ "سلطة مضادة" تجعل السلطة وكل من يمشي في ركابها تحاول تصويرهم كـ"سلطة معارضة"، وهذه مغالطة كبيرة الهدف منها هو المس بمصداقية رسالة الصحافة الشريفة وتشويه رسالتها النبيلة.

هناك انطباع لدى المجتمع الدولي أن المغرب منفتح نوعا ما ولكن هذه التجربة تبين خلاف ذلك، ماتعليقك على ذلك؟

إحدى نقط ضعف النظام في المغرب، كمعظم الأنظمة السلطوية، هي صورته في الخارج لدى الرأي العام الدولي، لذلك فهو يحاول دائما أن يقدم نفسه كنظام ديمقراطي وليبرالي منفتح على قيم الحرية والديمقراطية والتعددية وأنه يحترم حقوق الإنسان ويضمن حرية الصحافة ويحمي حرية التعبير. 

وليست حالتي هي أول حالة ولن تكون آخر حالة تفضح زيف هذه الصورة الموجهة للاستهلاك الخارجي.

كيف ترى مستقبل حرية الصحافة في المغرب وقدرة الناس على التعبير بحرية عن آرائهم ليس فقط فيما يتعلق بالحالية السياسية ولكن كذلك فيما يخص رجال النظام الأقوياء والمؤسسات النافذة؟

إذا كانت من ميزة لما سمي بـالربيع العربي الذي وصلت نسائمه إلى المغرب، فهو أنه أسقط "جدار الخوف" عند شعوب الدول التي انتفضت ضد أنظمة حُكمها السلطوية التي كانت تحكمها بالترهيب والترغيب. فرغم العودة التدريجية للسلطوية في المغرب إلا أن هناك دائما أصوات داخل الصحافة المستقلة والصحافة المواطنة وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ومن داخل المجتمع المدني ترتفع لتنتقد وترفض وتعارض وتحتج وتتظاهر وتعتصم وترسم أفقا جديدا للحرية بدون طابوهات أو مقدسات وبدون خوف من كل رموز السلطوية وأدواتها.

لقد أثبتت 15 سنة من حكم الملك محمد السادس عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لدى الدولة المغربية ممثلة في مؤسساتها النافذة، لتحرير الإعلام العمومي، أوضمان حرية الصحافة المستقلة التي تم القضاء على كل نموذج اقتصادي لاستمرارها، أو سن قوانين خاصة بالصحافة والحق في الوصول إلى المعلومة متطورة وتساير تحولات العصر المتلاحقة والحريات المكتسبة حتى اليوم في مجال الصحافة والتعبير والاحتجاج وإبداء الرأي يتم انتزاعها بتضحيات باهظة. إن للحرية ثمن ومن أراد أن يستظلَّ بِظلِّها عليه أن يكون مستعدا لدفعه.

علي أنوزلا صحافي مغربي معروف، أثار إعتقاله مخاوف ومسائلات داخل المغرب وخارجه. المعطي منجب أجرى الحوار لصدى.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.