المصدر: Getty
مقال

تأثير وسائل الإعلام على حملة مقاطعة إسرائيل

التغطية الإعلامية الدولية لجهود حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها بهدف لفت الانتباه إلى حقوق الفلسطينيين، تمنح زخماً للمهمة التي تأخذها الحملة على عاتقها.

 آدم غالاغر
نشرت في ١٨ مارس ٢٠١٤

فيما يستعدّ وزير الخارجية الأميركي جون كيري ليعرض على المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين اتفاق "إطار" جديداً، تلجأ وسائل الإعلام أكثر فأكثر إلى تصوير حملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها بأنها حركة اجتماعية مشروعة تهدف إلى ضمان حقوق الفلسطينيين داخل إسرائيل وفي ظل الاحتلال وفي بلدان الشتات. لكن لعل الدليل الأبرز على التأثير المتزايد للحملة وقدرتها على تغيير قواعد اللعبة هو ردود الفعل الأخيرة للقادة الإسرائيليين وحلفائهم في الكونغرس الأميركي على النجاحات التي حقّقتها الحملة. ومع الانخفاض في توقّعات الطرفَين بالنسبة إلى آفاق مبادرة السلام الأميركية الأخيرة، تقدّم حملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها للفلسطينيين تحرّكاً ذا مصداقية يهدف إلى ضمان حقوقهم في ظل غياب البدائل.

وقد استرعت الحملة اهتماماً كبيراً من الإعلام الغربي بعد الجدل الأخير الذي شهدته الساحة الدولية حول دعم الممثّلة سكارليت جوهانسون لشركة "صودا ستريم" والقرار الذي اتّخذته جمعية الدراسات الأميركية في كانون الأول/ديسمبر 2013 بمقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية. مما لاشك فيه أن المقاطعة من جمعية الدراسات الأميركية وقرار منظمة أوكسفام قطع روابطها مع جوهانسون بعد دعمها للشركة المذكورة- إلى جانب إنجازات أخرى حقّقتها مؤخراً حملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها مثل تبلور سياسة الاتحاد الأوروبي المناهِضة للمستوطنات، وقيام الصندوق التقاعدي الأكبر في هولندا والمصرف الدنماركي الأكبر بسحب استثماراتهما من المصارف الإسرائيلية - لن يُرغما الحكومة الإسرائيلية في الحال على تغيير سياساتها. إلا أنه لاحاجة إلى أن تؤدّي هذه الحملة إلى شلّ الاقتصاد الإسرائيلي على الفور؛ بل إن "المطلوب من المقاطعة هو أن تستمر في النمو، قطرةً قطرة... حتى تنجح"، كما أكّد لاري درفنر مؤخراً.

من شأن التغطية الإعلامية الواسعة للحملة أن تساعد على معالجة أي سوء توصيف لمهمتها واستراتيجيتها. فعلى سبيل المثال، لطالما واجه أنصار حملة المقاطعة اتّهامات بالعداء للسامية وبامتلاك نوايا خبيثة، على الرغم من النداء الذي أطلقه التحرّك في العام 2005 وحضّ صراحةً من خلاله على اعتماد "إجراءات عقابية غير عنفية"، وقد حشد النداء الدعم من مجموعات يهودية متعدّدة. مما لاشك فيه أن الطريقة التي يُصوَّر بها التحرّك في وسائل الإعلام تساهم في منح الزخم لإنجازاته أو التقليل من شأنها. وقد أدّت السجالات الأخيرة إلى توسيع دائرة التغطية الإعلامية لحملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، ومنحتها حيّزاً متزايداً في الخطاب عن النزاع. يشكّل هذا الاهتمام الإعلامي بحدّ ذاته عامل نجاح مهماً بالنسبة إلى التحرّك.

تؤدّي صحيفة نيويورك تايمز دوراً ريادياً في تحديد النزعات في التغطية الصحافية الأساسية. ويستطيع أنصار حملة المقاطعة أن يُشيروا إلى ازدياد لافت في التغطية الإجمالية لأخبار الحملة في الأشهر الأخيرة وإلى انطلاق نقاش أكثر تفصيلاً نسبياً عن فضائلها وشوائبها عبر صفحات الصحيفة. فقد حدّد الباحثان في الحركات الاجتماعية ويليام غيمسون وغادي وولفسفيلد ثلاث خدمات أساسية تؤدّيها وسائل الإعلام لمجموعات المقاومة غير العنفية: التعبئة بهدف الحصول على الدعم السياسي؛ ومنحها شرعية في الخطاب السائد؛ وتوسيع نطاق النزاع. لهذه الغاية، تتيح التغطية الإجمالية الموسّعة للحملة إمكانية التواصل مع جمهور أكبر وتعبئته، كما أنها تساهم في تعزيز شرعيتها، وتمنحها القدرة على توسيع نطاق النزاع عبر إشراك جهات كانت حتى الآن غير مطّلعة على مايجري أو غير ضالعة فيه.

نشر الكاتبان في صحيفة نيويورك تايمز روجر كوهن وتوماس فريدمان، في شهر شباط/فبراير الماضي وحده، مقالات عدّة عن المستجدّات المحيطة بحملة المقاطعة وتداعياتها على عملية السلام. ففي حين لفت كوهن إلى أنه لا"يثق" بحملة المقاطعة، اعتبر أنها بمثابة "نداء يقظة" لإسرائيل. أما فريدمان فلم يُشِر تحديداً إلى حملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، لكنه ذكر العديد من إنجازاتها الأخيرة ووصف تحرّكاتها بأنها "انتفاضة ثالثة"، معتبراً أنها "ترتكز على تكتيك يقوم على جعل الإسرائيليين يشعرون بالأمان استراتيجياً ولكن بعدم الأمان معنوياً". ونشرت نيويورك تايمز أيضاً نقاشاً موسّعاً رداً على مقال حول مقاطعة المستوطنات، وضمّنته رسائل تعبّر عن كوكبة واسعة من وجهات النظر. 

في مطلع شباط/فبراير المنصرم، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالاً بقلم عمر البرغوثي، أحد أبرز أنصار حملة المقاطعة، يدافع فيه عن التحرّك ويشير إلى أن "نظرة الحكومة الإسرائيلية إلى حملة المقاطعة التي ترى فيها تهديداً استراتيجياً تكشف النقاب عن قلقها الشديد من تحوّل هذا التحرّك مؤخراً إلى تيار سائد". ونشرت نيويورك تايمز أيضاً تغطية واسعة عن مقاطعة جمعية الدراسات الأميركية للمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، وانتقدت المسؤولة عن قسم الدوليات، كارول غياكومو، عبر مدوّنة الصحيفة مَن يسعون إلى إلغاء حرية التعبير في ردود فعلهم على قرار الجمعية. وقبيل مؤتمر السياسات السنوي للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) في واشنطن، ناقشت الصحيفة أيضاً خطط المسؤولين الإسرائيليين لـ"قرع الطبول حول مايعتبرونه الدوافع الخبيثة" لحركة المقاطعة. وفي مطلع آذار/مارس الجاري، نشرت الصحيفة نقاشاً موسّعاً عن الموضوع بعنوان "هل مقاطعة المستوطنات هي الأفضل لإسرائيل؟"

وقد دعا مفكّرون وصحافيون يهود ليبراليون إلى مقاطعة المستوطنات، أو إلى إطلاق حركة لـ"مقاطعة الصهيونية وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها" كما سمّاها بيتر بينارت، وشجبوا مَن ينتقدون حملة المقاطعة الأوسع بالقول بأنها تعارض حل الدولتَين، في حين يدعمون توسيع المستوطنات، واصفين موقفهم هذا بأنه ينطوي على رياء واضح. تساعد مثل هذه الآراء المدافِعة عن الحملة على محاربة الفكرة التي تروّج أنّ حملة المقاطعة معادية للسامية، كما أنها تحجز لها مكاناً في النقاش في أوساط مَن لايعرفون الكثير عن الحملة ربما أو مَن ليسوا مرتاحين لتكتيكاتها.

ومن المؤشرات عن تزايد تأثير حملة المقاطعة وإمكاناتها رد الفعل الأخير الذي أظهره القادة الإسرائيليون وحلفاؤهم في الكونغرس الأميركي. وفي خضم ماوصفته صحيفة جيروزاليم بوست بأنه "إدراك متنامٍ لدى الرأي العام بأن حركة مقاطعة إسرائيل تكتسب زخماً"، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اجتماعاً مع كبار الوزراء في التاسع من شباط/فبراير الماضي لمناقشة السبل التي تتيح التصدّي لمبادرات حملة المقاطعة. في الاجتماع الذي استُثني منه الوزراء ذوو الميول اليسارية ووسائل الإعلام، ناقش كبار الوزراء إمكانية اللجوء إلى التحرّك القانوني ضد المنظمات الداعمة لحملة المقاطعة والمؤسسات المالية التي تقاطع المستوطنات. وناقش القادة الإسرائيليون أيضاً تشجيع عواصم الدول الحليفة على إقرار تشريع مناهض للمقاطعة. وعرض وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي يوفال ستينيتز خطة "حرب إعلامية" تلجأ أيضاً إلى استخدام الاستخبارات الإسرائيلية لفضح "ارتباط منظمات حملة مقاطعة إسرائيل بتنظيمات إرهابية ودول عدوّة".

بحسب صحيفة هآرتس، خصّصت وزارة الشؤون الاستراتيجية تمويلاً بقيمة ملايين الدولارات لوحدة الاستخبارات التابعة للجيش الإسرائيلي "بهدف تعزيز المراقبة العسكرية لتلك المنظمات". وردّ القادة الإسرائيليون بقسوة أيضاً على كلام كيري حول "الحديث عن حملات مقاطعة" في ظل تعثُّر عملية السلام، فقد وصف ستينيتز تعليقات كيري بأنها "مهينة ومجحفة ولاتُطاق". وقد أولى نتنياهو أيضاً اهتماماً كبيراً لحملة المقاطعة في الخطاب الذي ألقاه في 4 آذار/مارس الجاري في مؤتمر أيباك، حيث وصف مؤيّدي الحملة بأنهم "معادون للسامية" و"متعصّبون"، مايسلّط الضوء بقوّة على القلق الشديد الذي يساور القادة الإسرائيليين بسبب حركة المقاطعة ولاسيما على ضوء النجاحات التي تحقّقها وازدياد التغطية الإعلامية لها.

وكذلك أظهرت ردود الفعل داخل الكونغرس الأميركي القلق من النجاح المتزايد للحملة. فقد اقترح النائبان في الكونغرس عن ولاية إيلينوي، بيتر روسكام ودان ليبينسكي، مشروع قانون في شباط/فبراير الماضي رداً على مقاطعة جمعية الدراسات الأميركية للمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، ينصّ على وقف جميع مصادر التمويل الفدرالي للجامعات الأميركية التي تقرّر مقاطعة المؤسسات الإسرائيلية. وبُذِلت جهود مماثلة في نيويورك ومريلاند. بعبارة أخرى، يحاول هؤلاء المشترعون الدفاع عن الحرية الأكاديمية، شرط أن تنسجم مع مواقفهم الأيديولوجية.

من شأن حملة دولية قوية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها أن تخلّف تداعيات عميقة على إسرائيل، ولاسيما على المستوى الدبلوماسي الدولي. فقد حذّر الرئيس أوباما في مقابلة مع جيفري غولدبرغ مؤخراً "إذا بدأ الفلسطينيون يشعرون بأن إمكانية إقامة دولة فلسطينية متجاورة الأراضي وذات سيادة لم تعد في متناولهم، فستكون قدرتنا على إدارة التداعيات الدولية محدودة". بعبارة أخرى، في حال عدم التوصّل إلى اتفاق سلام، ستواجه الولايات المتحدة قيوداً تعوّق قدرتها على الاستمرار في حماية إسرائيل بالوسائل الدبلوماسية، حتى فيما تستمر حملة المقاطعة في التوسّع. فالولايات المتحدة لاتستطيع مثلاً أن تفرض على بلدان الاتحاد الأوروبي تجاهل قانون مقاطعة المستوطنات المطبّق حالياً في الاتحاد، كما أنها لاتستطيع الحؤول دون رفع دعاوى دولية ضد الشركات العاملة في المستوطنات أو سحب الاستثمارات منها. ومن شأن حملة المقاطعة أن تمارس أيضاً تأثيرات هائلة على الاقتصاد الإسرائيلي. فقد وصفت وزيرة العدل تسيبي ليفني التي قالت مؤخراً إن حملة المقاطعة "تتحرّك وتتقدّم على نطاق واسع ومنظَّم"، النزاع الدائر بأنه بمثابة "السقف الزجاجي للاقتصاد الإسرائيلي".

وسط تعثُّر عملية السلام، تُقدِّم حملة مقاطعة إسرائيل وسائل بديلة للفلسطينيين من أجل ممارسة حقّهم في تقرير مصيرهم. يعتبر أنصار الحملة أن عملية السلام تتيح فقط إمكانية إقامة دولة ضعيفة، في حين أن الحملة تعالج مظالم جميع الفلسطينيين، وليس فقط أولئك الذين قد يعيشون في دولة فلسطينة في المستقبل. إضافة إلى ذلك، فإن الفلسطينيين الذين لطالما ضاقوا ذرعاً بأحزابهم السياسية غير الفعّالة يشهدون الآن على تحرّك يكتسب شرعية وفعالية متزايدتين على الساحة الدولية في إطار سعيه إلى محاسبة إسرائيل.

انطلاقاً مما تقدّم، بإمكان حركة المقاطعة أن تُفيد من هذا الاهتمام الإعلامي للتوسّع أكثر في شرح أهدافها والتكتيكات التي تستخدمها. على الرغم من أن الحملة ستكتسب مزيداً من الشرعية بفضل التغطية الإعلامية الواسعة، يمكنها أن تستخدم أيضاً هذا الانتشار لشرح مقاربتها المستندة إلى الحقوق، وكيف تتيح هذه المقاربة للفلسطينيين التوصّل إلى حل أكثر عدلاً مما تؤمّنه عملية السلام، وماهي التداعيات على إسرائيل. إلا أن ذلك يقتضي من الحملة اعتماد موقف أكثر وضوحاً بشأن حل الدولتين الذي يشكّل مسألة خلافية أساسية بين منتقدي الحملة وأنصارها.

نظراً إلى ضآلة الآمال بتحقيق أي تقدّم جوهري في الجولة المقبلة من محادثات السلام، يستمر أنصار حملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها في تسليط الأضواء على حرمان الفلسطينيين من حقوقهم. يقدّم المسار التصاعدي لحركة المقاطعة بديلاً عن عملية السلام الراكدة، وسوف يستمر هذا البديل في الحصول على اندفاعة بفضل التغطية الإعلامية المتزايدة. إذا نجحت الحركة على نطاق أوسع، فقد تمارس مايكفي من الضغوط على إسرائيل، على جبهتَي العلاقات العامة الاقتصادية والدولية، من أجل منح الفلسطينيين الحقوق السياسية التي ينشدونها من خلال حملة المقاطعة.

آدم غالاغر محلّل إعلامي مستقل وكاتب متخصّص في شؤون السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط وأفغانستان. يساهم في Tropics of Meta.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.