المصدر: Getty
مقال

الضغط على اللاجئين السوريين للعودة إلى ديارهم

في ظل الضغوط المالية المتزايدة، تعمد الدول التي تستضيف اللاجئين السوريين إلى الضغط عليهم للعودة إلى ديارهم بغض النظر عما إذا كانت الأوضاع في سورية آمنة أم لا.

 جيسي ماركس
نشرت في ١ مارس ٢٠١٨

فيما تُشارف الحرب السورية على دخول عامها الثامن، ولا تزال تتسبّب بنزوح السوريين، يلجأ الغرب إلى خفض أعداد اللاجئين السوريين الذين تتم إعادة توطينهم – بدءاً من اتفاق اللجوء بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في آذار/مارس 2016 ومروراً بالضغوط التي يمارسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإعادة توطين السوريين في الأردن ولبنان بدلاً من الولايات المتحدة. يتسبّب هذا التحوّل في تكثيف الضغوط على البلدان المجاورة لسورية التي تستضيف ملايين اللاجئين السوريين وسط ارتفاع البطالة، وعدم الاستقرار الإقليمي، وتراجع التمويل الدولي. تلجأ الحكومات المضيفة، بصورة متزايدة، إلى الاعتقال والترحيل والطرد والقيود على الإقامة، وسواها من التدابير الإكراهية لدفع اللاجئين إلى العودة إلى ديارهم.

على الرغم من الأعداد المرتفعة جداً للاجئين السوريين المسجّلين، والتي تصل إلى 5.5 ملايين نسمة، فضلاً عن بلوغ أعداد النازحين داخلياً 6.5 ملايين نسمة في العام 2016 بحسب التقديرات – ونزوح مئتَي ألف شخص إضافي من المنطقة الواقعة شمال غرب سورية منذ كانون الأول/ديسمبر 2017 – إلا أن مجموع أعداد السوريين الذين أعيد توطينهم في البلدان الغربية تراجع من نحو 48000 في العام 2016 إلى 30000 في العام 2017. ما خلا ألمانيا وكندا والمملكة المتحدة وأستراليا التي تعهّدت بإعادة توطين مزيد من اللاجئين في العام 2018، تُبدي البلدان الأخرى تردداً في الاستمرار في إعادة توطين السوريين، وتحبّذ بدلاً من ذلك البرامج التي تقود إلى إعادة توطين اللاجئين في البلدان المجاورة.

بيد أن توطين السوريين في الأردن ولبنان وتركيا في المدى الطويل، وفقاً للمطالبات، يقتضي التزامات مالية دولية مكثّفة وطويلة المدى، ما يعرّض البلدان المذكورة للهشاشة والمعطوبية في حال تبدّلت أولويات المانحين ونفدَت مصادر التمويل. إشارة في هذا الإطار إلى أن العبء المالي الذي يتحمّله الأردن ولبنان لتأمين احتياجات اللاجئين يتخطّى إمكاناتهما الوطنية، ما يجعلهما مضطرَّين إلى التعويل بشدّة على المساعدات الدولية غير الموثوقة. على الرغم من أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تعهّدت بتقديم 12 مليار دولار إلى البلدان المضيفة في مؤتمر المانحين الذي عُقِد في لندن تحت عنوان "دعم سورية والمنطقة" في العام 2016، وستة مليارات دولار إضافية في مؤتمر المانحين الذي عُقِد في بروكسل تحت عنوان "دعم مستقبل سورية والمنطقة" في العام 2017، إلا أنها تقاعست باستمرار عن الوفاء بهذه التعهدات. لم تحصل خطة الاستجابة الوطنية في لبنان – وهي عبارة عن مبادرة مشتركة مع الأمم المتحدة لمعالجة التحديات التي يواجهها لبنان بسبب النزاع السوري - سوى على 54 في المئة من تعهدات التمويل في العام 2015، وانخفضت النسبة إلى 46 في المئة في العام 2016، و43 في المئة في العام 2017. ولم يتأمّن التمويل سوى لـ62 في المئة فقط من خطة الاستجابة الوطنية في الأردن في العام 2016، و65 في المئة في العام 2017.

تعتمد الحكومات المضيفة على الأموال المخصّصة للنفقات الداخلية من أجل سدّ الثغرة في تمويل الخدمات إلى اللاجئين – تُقدَّر الكلفة السنوية بـ2.5 مليارَي دولار في حالة الأردن، ومجموع الكلفة بعشرة مليارات دولار في حالة لبنان. قبيل الكشف عن خطة الاستجابة الأردنية 2018-2020، في الأول من شباط/فبراير المنصرم، صرّح رئيس الوزراء هاني الملقي أن الأردن استنفد كامل إمكاناته على تأمين الخدمات، وتوظيف الموارد الوطنية، وتوسيع البنى التحتية الاجتماعية والمادّية من أجل استيعاب اللاجئين. في غضون ذلك، تنص موازنة إدارة ترامب للعام 2018 على خفض المساهمات الأميركية إلى الأمم المتحدة بواقع نحو 285 مليون دولار أميركي، أي بنسبة 24 في المئة. يشتمل ذلك على خفض التمويل لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بنسبة 16 في المئة، وإلغاء تمويل "المنظمات والبرامج الدولية"، الذي يؤمّن، عن طريق المساعدات المالية التي يقدّمها إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، دعماً أساسياً للاجئين السوريين في الأردن ولبنان وتركيا.

الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لإبقاء اللاجئين "أقرب ما يمكن إلى بلدانهم الأم"، تدفع بالدول المضيفة إلى النظر، بصورة مطّردة، في التعجيل في إعادة اللاجئين إلى ديارهم، خشية أن تُضطر تلك الدول إلى تحمّل الأعباء المتأتّية عن وجود طويل الأمد للاجئين السوريين، كما حصل مع الفلسطينيين. لقد اتّخذ لبنان وتركيا والأردن خطوات لفرض عودة اللاجئين عنوةً إلى بلادهم خلال العام المنصرم.

إلى جانب خفض الأعباء المترتبة على موازنتها، استخدمت تركيا عودة اللاجئين غطاء سياسياً لعملياتها العسكرية في سورية. إبان انتهاء عملية "درع الفرات" في آذار/مارس 2017، أشارت تركيا إلى عودة نحو 140000 سوري إلى المناطق التي سيطرت عليها. يُشيد الرئيس رجب طيب أردوغان بموجات العودة هذه مستخدماً إياهاً كتبرير لعملية "غصن الزيتون" التي يشنّها راهناً في عفرين. كذلك لفت ياسين أكتاي، أحد كبار مستشاري الرئيس التركي، إلى أن تركيا تسعى إلى إعادة إعمار عفرين بعد السيطرة عليها، من أجل تحفيز عودة 500000 سوري، وفقاً لتقديرات السيدة الأولى أمينة أردوغان.

لقد جدّد الرئيس اللبناني ميشال عون، في كلمة ألقاها أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 21 أيلول/سبتمبر 2017، دعوته السوريين إلى العودة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد حتى لو لم يتم التوصّل بعد إلى حل سياسي. في حين أن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري طمأن المجتمع الدولي في الثاني من شباط/فبراير إلى أن لبنان لن يعمد إلى ترحيل السوريين، زادت السلطات اللبنانية من الإجراءات والسياسات والقيود التي تجعل ظروف المعيشة صعبة على اللاجئين. تعمد السلطات اللبنانية إلى التضييق على مستوطنات اللاجئين غير الشرعية، وقد طردت أكثر من عشرة آلاف لاجئ سوري من المخيمات في العام 2017. ومنذ استعاد الجيش اللبناني السيطرة على بلدة عرسال من أيدي الدولة الإسلامية وهيئة تحرير الشام في تموز/يوليو 2017، عاد عشرة آلاف لاجئ سوري إضافي إلى سورية – من دون تسهيلات وإشراف من المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة – وقد تحدّث كثرٌ منهم عن تعرّضهم لضغوط من القوات المسلحة اللبنانية، بما في ذلك عن طريق الاعتقالات، والمداهمات للمخيمات، والقيود على تحرّكاتهم. وقد أشار الجيش اللبناني إلى أن هذه المداهمات التي نُفِّذت غداة عملية عرسال، جاءت رداً على سلسلة من الهجمات الانتحارية على مقربة من الحدود اللبنانية. لكن في مدينة صيدا، حيث الأوضاع الأمنية مختلفة عنها في عرسال، اعتُقِل خمسون لاجئاً في كانون الثاني/يناير الماضي لعدم حيازتهم الأوراق الثبوتية اللازمة ودخولهم البلاد بطريقة غير شرعية.

وقد أعدّت السلطات اللبنانية، في تشرين الأول/أكتوبر 2017، خطةً على رأسها وزير الخارجية جبران باسيل كما أُفيد، من أجل تحفيز عودة اللاجئين السوريين – واقترحت الخطة تحقيق ذلك عبر التشدد في الإجراءات الأمنية عند الحدود، والتسجيل الجماعي، والاعتقالات، وفرض قيود على المساعدات الإنسانية الموجَّهة إلى حالات خاصة، واتخاذ تدابير قانونية بحق السوريين الذين يُقيمون ويعملون في البلاد بطريقة غير شرعية. لم يتم إقرار الخطة المقترحة، لكنها تُعبّر عن تنامي مشاعر العداء للاجئين في لبنان.

كذلك، بعدما شنّت الدولة الإسلامية هجمات دموية في الكرك والركبان في العام 2016، يستمر الأردن في فرض قيود مشدّدة على السوريين بسبب المخاوف الأمنية، ما يولّد أجواء مناوئة لهم. يخشى عدد كبير من اللاجئين السوريين الذين يعيشون خارج المخيمات، ونسبتهم نحو 80 في المئة، أن تقوم السلطات الأردنية، في حال إلقاء القبض عليهم، باعتقالهم ونقلهم إلى المخيمات. لقد أفادت تقارير أن نحو 8500 لاجئ نقلتهم السلطات الأردنية من الركبان – مخيم غير نظامي للنازحين داخلياً عند الحدود الشمالية للأردن، والذي فرّ إليه عدد كبير من السوريين الهاربين من المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة الإسلامية – إلى مخيم الأزرق للاجئين، محتجَزون أيضاً في قطاع منفصل داخل المخيم، مع حرية تحرّك شبه معدومة، بانتظار التدقيق في سجلاتهم الأمنية للتأكّد من أنهم لا يشكّلون تهديداً أمنياً – في إطار مسعى للحد من تسلّل السوريين الذين يمتلكون روابط مع الإرهابيين. بيد أن منظمات الإغاثة في الأردن تشير أيضاً، بحسب تقديراتها، إلى أن نصف اللاجئين السوريين في مخيم الأزرق، وعددهم 50000، نُقِلوا قسراً إلى المخيم الصحراوي من مختلف أنحاء الأردن، وبينهم عدد كبير من اللاجئين الذين قبضت عليهم السلطات الأردنية لعدم امتلاكهم الأوراق الثبوتية اللازمة، وكذلك لاجئون وُضِعوا في دائرة الاستهداف بسبب اتصالاتهم مع عائلاتهم في سورية. تولّد الجهود الأردنية الآيلة إلى كبح النشاط الإرهابي أجواء شديدة الخطورة للسوريين، وهذا الواقع، فضلاً عن الصعوبات الاقتصادية المتزايدة وتكاليف المعيشة المرتفعة، قد يدفع بعدد كبير من اللاجئين إلى العودة إلى ديارهم.

تُستكمَل هذه الإجراءات القسرية بحالات إضافية من الترحيل، يجري توثيقها بصورة منتظمة في لبنان والأردن وتركيا. وفقاً لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، ارتفع عدد اللاجئين المرحَّلين من الأردن في مطلع العام 2017، مع ترحيل نحو 400 لاجئ في الشهر في النصف الأول من العام 2017، وهي المرّة الثانية التي تُسجَّل فيها زيادة كبيرة في أعداد اللاجئين المرحَّلين منذ مطلع العام 2016. وقد عاد عدد كبير من أقربائهم "طوعاً" إلى سورية، برفقة الأفراد المرحَّلين من عائلاتهم. بما أن عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين غير مسجَّل لدى الحكومة، ثمة مخاوفٌ أيضاً بأن الجهود التي يبذلها الأردن لاحتجاز مزيد من اللاجئين داخل المخيمات ستؤدّي إلى ترحيل أعداد إضافية. في تركيا، تُوثِّق مجموعات حقوق الإنسان حالات الترحيل منذ العام 2016، ويصل العدد إلى نحو مئة لاجئ يتم ترحيلهم يومياً. على الرغم من محدودية المعلومات المتوافرة، يبدو أن هذه النزعة مستمرة، كما أن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم صرّح في تموز/يوليو 2017، أنه سيتم ترحيل اللاجئين الذين يرتكبون جرائم.

تزجّ هذه السياسات بالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين في موقف صعب: هل توافق على عمليات الترحيل غير الآمنة أم تقف مكتوفة اليدَين فيما يعود اللاجئون بطريقة فوضوية ومن الممكن أن تلحق بهم الأذى؟ في آب/أغسطس 2017، بدأت المفوضية العليا للاجئين زيادة عملياتها في سورية من أجل تسهيل إعادة توطين السوريين العائدين، فزادت أعداد موظّفيها، وسعت إلى الحصول على 150 مليون دولار لتمويل هذه العمليات. وأعلنت المفوضية في حزيران/يونيو أنها تقوم بالاستعدادات اللازمة للتعامل مع عودة أعداد متزايدة من اللاجئين، مع العلم بأنها لا تروّج أو تسهّل عودة اللاجئين إلى سورية بسبب الأوضاع التي لا تزال غير مستقرّة. ليست العودة المستدامة – التي تتطلب تعاوناً واسعاً بين المفوضية العليا للاجئين والبلدان المانحة والمنظمات الدولية واللاجئين والمسؤولين في البلد المضيف – أمراً عملياً وممكناً. فغالبية اللاجئين السوريين فرّوا من النظام السوري ولا يمكنهم العودة إلى "المناطق الآمنة" بسبب الدمار الواسع والعنف المتواصل وخطر العنف الانتقامي. يشنّ النظام السوري، منذ العام 2011، عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد الأحياء السكنية، والقرى، وفي بعض الحالات، ضد مدن بكاملها، عبر اللجوء إلى القصف العنيف، والهجمات بالأسلحة الكيميائية، والحصار، والتهجير القسري الذي نتج عنه العدد الأكبر من اللاجئين السوريين. كما أن الدمار الواسع للممتلكات والبنى التحتية، وغياب الخدمات، والألغام غير المنفجرة التي تركها وراءهم المقاتلون، تولّد مخاطر أمنية جمّة للعائدين.

سوف يؤدّي التعجيل في إعادة اللاجئين إلى ديارهم – قبل أن تتوافر الظروف المؤاتية لعودتهم بطريقة آمنة ومستدامة – إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية المتدهورة أصلاً في سورية، ما يُلقي بضغوط على ما تبقّى من خدمات محدودة وحوكمة هشّة في المناطق التي يعود إليها اللاجئون، ويدفع بالعائدين إلى مزاحمة الأشخاص الذين مكثوا في تلك المناطق، على الوظائف والموارد والمأوى. وفي حال اندلاع نزاع عنيف، يمكن أن تبدأ دورة النزوح من جديد.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

جيسي ماركس زميل سكوفيل وزميل فولبرايت مقيم في العاصمة الأردنية، عمان. لمتابعته عبر تويتر: JesCMarks@

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.