المصدر: Getty
مقال

صعود صناعة الدفاع الإماراتية

تركيز الإمارات على تطوير صناعة دفاعية محلية يُسلّط الضوء على سعيها إلى التحوّل إلى مورِّد عالمي للأسلحة إلى الأسواق المتخصصة.

 جان لو سمعان
نشرت في ١٤ مايو ٢٠١٩

خلال معرض الدفاع الدولي (آيدكس) في أبو ظبي في 17 شباط/فبراير، وقّعت الشركة الإماراتية "كاليدوس" مذكّرة تفاهم مع شركة "جي دي سي الشرق الأوسط" لصناعة الطيران والدفاع التي تتخذ من السعودية مقراً لها، بهدف تصدير طائرتها الهجومية الخفيفة الجديدة "بي-250" إلى أسواق أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي هذا المشروع مؤشّرٌ عن التصميم الواضح لدى الإمارات العربية المتحدة والسعودية لتعزيز صناعتهما الدفاعية المحلية. لقد ترافقت مبيعات الأسلحة الخارجية إلى بلدان الخليج، تقليدياً، مع مقتضيات تُعرَف بـ"بنود التوازن"، حرصاً على قيام المتعاقدين بدعم الاقتصاد المحلي من خلال مشاريع مشتركة مع شركات محلية، واستثمارات، وتوظيف اليد العاملة المحلية – غير أن الحصيلة الاقتصادية ظلت متواضعة حتى تاريخه. بالكاد تَظهر الصناعات الدفاعية الخليجية على رادار أسواق الأسلحة العالمية، وهذا الحضور يُعتبَر متدنّياً بطريقة لافتة بالمقارنة مع حجم الموازنات العسكرية في دول مجلس التعاون الخليجي.

لقد عمدت الإمارات والسعودية، في الأعوام القليلة الماضية، إلى تعزيز جهودهما لزيادة إمكاناتهما العسكرية المحلية. يُحرّك عاملان إقليميان هذا الزخم الجديد. أولاً، أدّى تراجع أسعار النفط في العام 2014 إلى تجدُّد الجهود الحكومية لإصلاح الاقتصادات الوطنية وتنويع مصادر الدخل فيها. في هذا السياق، لا يساهم بناء صناعة عسكرية محلية في استحداث وظائف وحسب، بل يمكن أن يدعم أيضاً التنمية الاقتصادية في المدى الطويل، مثلاً في ميدان التعليم والبحوث. ولهذا السبب يحتلّ تعزيز شركات الدفاع المحلية حيّزاً بارزاً في وثائق مثل "رؤية المملكة 2030" و"الرؤية الاقتصادية 2030 لإمارة أبو ظبي". ثانياً، يُتيح تدعيم قاعدة صناعية دفاعية محلية للدول الصغيرة بناء استقلاليتها الاستراتيجية، مع خفض اعتمادها على السلاح الخارجي.

انطلاقاً من هذه الخلفية، تُقدّم الإمارات – وبدرجة أقل السعودية – دراسة حالة مفيدة كونها الدولة التي قطعت الشوط الأبعد بين بلدان مجلس التعاون الخليجي في تطوير صناعة دفاعية محلية. في العقد الأخير، أطلقت أبو ظبي إصلاحات كبرى لإعادة تنظيم القطاع الدفاعي الإماراتي. ففي العام 2014، دمجت الحكومة ست عشرة شركة صغيرة في إطار شركة الإمارات للصناعات العسكرية (إديك)، وهي الجهة الأكبر في البلاد في مجال تصنيع الأسلحة وتأمين الخدمات ذات الصلة. إلى جانب شركة "إديك"، يؤدّي مجلس التوازن الاقتصادي – المعروف سابقاً بمكتب برنامج التوازن الاقتصادي – دوراً أساسياً في تمويل المبادرات الصناعية المحلية. وفي شباط/فبراير الماضي، أعلن المجلس عن إنشاء صندوق تنمية القطاعات الدفاعية والأمنية الذي بلغ رأسماله التأسيسي 680 مليون دولار أميركي.

كان لاستثمارات مجلس التوازن الاقتصادي الفضل في تحقُّق النجاحات الأبرز في القطاع الدفاعي الإماراتي، مثل إنشاء المركز العسكري المتقدم للصيانة والإصلاح والعُمرة (أمرُك)، وهو عبارة عن مشروع مشترك بين "إديك" و"لوكهيد مارتن" و"سيكورسكي اروسبايس". ركّز مركز "أمرُك" في البداية على خدمات الصيانة العسكرية والإصلاح والعمرة، لا سيما تلك المخصصة لسلاح الجو الإماراتي. ومنذ ذلك الوقت، يعزّز المركز تطلعاته بصورة مطردة. ففي كانون الثاني/يناير الماضي، عرض نسخة مسلّحة جديدة عن مروحية "سيكورسكي يو إيتش-60 بلاك هوك". على المستوى التقني، ليست هذه المروحية المعدَّلة فريدة من نوعها، وتُشغّل بلدانٌ أخرى نسخاً مماثلة، لكن مركز "أمرُك" استخدم هذا الحدث لتسليط الضوء على إمكاناته التقنية المتنامية ودوره الأساسي في دعم "توطين" الصناعات الدفاعية.

يؤشّر مسار "أمرُك" إلى نمطٍ سائد بين الشركات المحلية. بدورها ركّزت شركة أبو ظبي لبناء السفن، التي أنشئت في العام 1996، على إصلاح السفن وترميمها في المراحل الأولى من انطلاقتها. وبعد ذلك، وسّعت خبراتها في مجال بناء السفن. في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اختار سلاح البحرية الإماراتي شركة أبو ظبي لبناء السفن كي تتولى بناء ست سفن حربية من طراز "بينونة". لم تُصنَع جميع هذه السفن محلياً، فقد تولّت شركة Constructions Mécaniques de Normandie في فرنسا بناء السفينة الأولى، لكن السفن الخمس الباقية جرى تصنيعها داخل الإمارات. وفي الأعوام الأخيرة، صدّرت شركة أبو ظبي لبناء السفن مراكب إنزال إلى سلطنة عمان والبحرين والكويت.

بالنسبة إلى الحكومة الإماراتية، ليس نجاح شركات مثل شركة أبو ظبي لبناء السفن أو مركز "أمرُك" وسيلة لبناء منصات محلية وحسب إنما أيضاً للتنافس إقليمياً من أجل الفوز بمناقصات كبرى. أبعد من الآفاق التجارية، تُظهر هذه النزعة إلى أي حد تحوّلت الصناعة الدفاعية إلى أداة للسياسة الخارجية الإماراتية. يساهم الإعلان عن مشاريع سعودية-إماراتية في معرض "آيدكس" في شباط/فبراير، في مأسسة التحالف الثنائي الرسمي بين الدولتَين الذي جرى الإعلان عنه في الخامس من كانون الأول/ديسمبر 2017 عشية القمة السنوية لمجلس التعاون الخليجي. بالمثل، أعلنت الإمارات في العام 2017 عن مشروع مشترك مع روسيا لبناء طائرة مقاتلة، في قرار يؤشّر إلى تطلُّع أبو ظبي إلى تطوير منصّة عسكرية معقّدة تقنياً وتُشكّل في الوقت نفسه رمزاً للقوة العسكرية. وأظهر القرار أيضاً تحسُّن العلاقات مع روسيا التي كانت قد اكتفت، حتى الآونة الأخيرة، بانخراط محدود في أسواق السلاح الخليجية.

غير أن هذه الإنجازات تبقى محدودة النطاق. فالهدف الأشمل الذي تسعى إليه الإمارات ليس استبدال الشركات الغربية الكبرى التي ستبقى على الأرجح المصدر الأساسي للمشتريات العسكرية الخليجية في المستقبل القريب عن طريق صادرات الأسلحة أو المشاريع المشتركة. بل إن الهدف الإماراتي هو تطوير مهارات محدّدة تتيح للشركات المحلية دخول السوق العالمية للسلع المتخصصة، مثل السفن الحربية أو الآليات المدرّعة أو المركبات الجوية غير المأهولة – وهو مجالٌ إضافي أظهرت فيه الإمارات تطلعاتها الصناعية. من المقارنات التي يمكن التوقف عندها في هذا الإطار القطاع الدفاعي التركي: ففي أعقاب حظر السلاح في العام 1974، استثمرت أنقرة في بناء صناعة دفاعية محلية لمساعدة قواتها المسلحة الوطنية على تحقيق الاكتفاء الذاتي. وقد نجحت بتحقيق ذلك من خلال البحوث والتنمية، وكذلك الاستراتيجيات الموجَّهة نحو أسواق متخصصة.

ليس واضحاً حتى الآن إلى أي حد يمكن أن تسير الصناعات الدفاعية في باقي بلدان مجلس التعاون الخليجي على خطى الإمارات التي تتقدّم على البلدان الأخرى في المجلس في مجال بناء قاعدة صناعية دفاعية محلية. وقد انطلقت السعودية التي تُعتبَر المستهلك الأكبر للخدمات والمنتجات العسكرية في المنطقة، في مسار مماثل. فرؤية المملكة 2030 تحدّد هدفاً طموحاً يتمثّل بـ"توطين 50 في المئة من الإنفاق العسكري والأمني" بحلول العام 2030، غير أن السعودية بقاعدتها الصناعية الراهنة قد تجد صعوبة في تحقيق هذا الهدف ضمن المهلة المقررة. ولم تُعطِ بلدان أخرى في مجلس التعاون الخليجي، مثل الكويت وسلطنة عمان والبحرين، أولوية لبناء قاعدة صناعية دفاعية. وفي حين استثمرت قطر مبالغ طائلة في أجهزتها العسكرية في الأعوام القليلة الماضية، لم تساهم هذه الاستثمارات في تحقيق توطين واسع للصناعة الدفاعية لديها. يبدو أن صعود الصناعة الدفاعية الإماراتية قد يبقى ظاهرة معزولة في نهاية المطاف.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

جان لو سمعان أستاذ مساعد في الدراسات الاستراتيجية ملحَق بكلية الدفاع الوطني في الإمارات. الآراء المعبَّر عنها في هذا المقال لا تعكس آراء كلية الدفاع الوطني، أو مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية، أو أيٍّ من الحكومات.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.