تسلّط المقاربة الإماراتية في التعامل مع أفغانستان بعد خروج القوات الأميركية، الضوء على مرونة السياسة الخارجية لأبو ظبي. في عام 2019، نُقِل عن ولي العهد الإماراتي آنذاك محمد بن زايد قوله للمسؤولين في إدارة ترامب إن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان سيؤدّي إلى عودة "الأشرار المتخلّفين والملتحين" إلى السلطة. لذلك دعا إلى إضعاف الموقف التفاوضي لحركة طالبان من خلال الاستعانة بمرتزقة لاغتيال قادتها. وساهمت هذه المواقف المناهضة لطالبان في إظهار الإمارات في صورة الدولة العربية المعتدلة التي تدعم التسامح في أرجاء مختلفة من العالم الإسلامي.
لكن الواقع كان أكثر تشعّبًا. طوال عقود، استخدمت شبكة حقاني، وهو فصيل متشدد في حركة طالبان، شركات صورية ومغتربين أفغانًا للتجنيد وتبييض الأموال عن طريق الإمارات العربية المتحدة. وجراء الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة في عام 2014، انتقلت هذه العمليات إلى الخفاء، ولكنها استمرّت. وأدّت الإمارات أيضًا دور وسيط دبلوماسي فعّال حين عمل فريق ترامب من أجل إنهاء الحرب الأفغانية، وبرز ذلك من خلال الاجتماع الذي عقده المبعوث الخاص الأميركي آنذاك زلماي خليل زاد مع وفد من طالبان بحضور مسؤولين إماراتيين وسعوديين وباكستانيين في أبو ظبي في كانون الأول/ديسمبر 2018.
تعاملت الإمارات، منذ آب/أغسطس 2021، مع حقيقة أن إمارة أفغانستان الإسلامية هي الحكومة الوحيدة بحكم الأمر الواقع في أفغانستان. ورأت أبو ظبي في هذا الوضع فرصة سانحة لتعزيز صورتها بوصفها شريكا ذا قيمة للقوى الغربية، إلى جانب دورها الإنساني. ويبرز السعي إلى تحقيق هذا الهدف من خلال المساعدة التي قدّمتها الإمارات لإجلاء الدبلوماسيين الأجانب و28000 مواطن أفغاني عند استعادة طالبان السيطرة على البلاد، وإمدادات الغذاء والإغاثة التي قدّمتها أبو ظبي إلى أفغانستان.
على الصعيد السياسي، أرست الإمارات توازنًا حسّاسًا. من جهة، استضافت الرئيس المخلوع أشرف غاني على أراضيها. ومن جهة أخرى، وصفت أبو ظبي الشعب الأفغاني بـ"الشعب الشقيق" في تصريحاتها الأولى عن سيطرة إمارة أفغانستان الإسلامية في عام 2021، ووفقًا لحركة طالبان، فرضت أبو ظبي حظرًا على مشاركة غاني وأعضاء حكومته المخلوعة في أنشطة سياسية على الأراضي الإماراتية. وعلاوةً على ذلك، في حين أثنى المسؤولون الإماراتيون على بعض التزامات طالبان المعلنة بالاعتدال، لم يترددوا أيضًا في إدانة انتهاكات إمارة أفغانستان الإسلامية لحقوق المرأة.
بدأت إمارة أفغانستان الإسلامية بالتباحث مع الإماراتيين بشأن إدارة الإمارات للمطار الأفغاني الرئيس بعد مرور ثلاثة أشهر على سيطرة طالبان على الحكم. ولكن كابول أبرمت اتفاقًا أوّليًا مع تركيا وقطر لتولّي أمن المطار في مطلع عام 2022. بحلول أيار/مايو 2022، دفعت الخلافات مع أنقرة والدوحة بإمارة أفغانستان الإسلامية إلى توقيع اتفاق مع شركة GAAC Solutions المرتبطة بدولة الإمارات لإدارة المطارات في هرات وكابول وقندهار. أُنجِز العقد الثالث والأخير في أيلول/سبتمبر 2022 عقب الزيارة السرّية التي قام بها نائب رئيس الوزراء في حركة طالبان، الملا عبد الغني برادر، إلى أبو ظبي. في 5 كانون الأول/ديسمبر، توجّه وزير الدفاع بالإنابة في إمارة أفغانستان الإسلامية، الملا يعقوب، إلى الإمارات للتباحث مع محمد بن زايد بشأن فرص تعزيز العلاقات بين أبو ظبي وكابول.
بما أن إمارة أفغانستان الإسلامية منبوذة عالميًا، يُستبعَد أن تعمد أبو ظبي إلى الاعتراف رسميًا بحركة طالبان في وقت قريب على الرغم من أن الإمارات هي واحدة من ثلاثة بلدان فقط اعترفت بالحركة في مرحلة 1996-2001. غير أنه للإمارات نوع من "الاعتراف الناعم" بإمارة أفغانستان الإسلامية بطرقٍ تساعد على تحقيق المصالح الإماراتية في ضوء تحوّل أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي إلى نقطة متفجّرة في المنافسة بين القوى الكبرى والقوى الإقليمية الأصغر.
تتخوّف الإمارات من أن تفرض قطر نفسها، بصورة متزايدة، في موقع الطرف الذي لا يستطيع الغرب الاستغناء عنه في تعامله مع أفغانستان بعد الاحتلال، ولذا لا تريد تفويت فرص استغلال الوضع الراهن في أفغانستان لمصلحتها. في الوقت نفسه، يسود قلق في أبو ظبي من قدرة إيران المحتملة على اكتساب نفوذ في أفغانستان. لذلك، وعلى الرغم من تحديات التعامل مع طالبان، غالب الظن أن أبو ظبي ستواصل اتباع استراتيجية طويلة الأمد حيال كابول قائمة على الانخراط المتأنّي طوال عام 2023 وما بعده. فالإمارات ترى أنه قد يترتب على الامتناع عن القيام بذلك كلفة مرتفعة جدًا.
جيورجيو كافييرو هو الرئيس التنفيذي ومؤسس الشركة الاستشارية Gulf State Analytics المتخصصة في المخاطر الجيوسياسية، ومقرّها واشنطن. لمتابعته عبر تويتر @GiorgioCafiero.