اتسمت البيانات الصادرة عن بعض التنظيمات الإرهابية مع بداية الحرب في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، بكثافة التعاطي معها، ومحاولات لتوظيف الوضع في فلسطين المحتلة لصالحها لإعادة تنظيم صفوفها في شن هجماتها، واستقطاب مقاتلين جدد، وتجنيدهم باسم الجهاد. واستخدمت رسائل تحريض على العنف، كبيان تنظيم القاعدة فرع التنظيم في اليمن، الموجه إلى الفصائل الفلسطينية، حينما ذكر "أيها المجاهدون قد بدأتم السير فأكملوا المسير، وأياكم التراجع فإن في ذلك هلاككم وتسلط العدو عليكم وعلى أهلكم وشعبكم وأمتكم، فالله الله في الثبات"، وأيضاً "إلى أسود الإسلام في الضفة الغربية.. أشعلوا الضفة الغربية ناراً تحت أقدام اليهود، وباغتوهم من كل بيت وحارة وشارع، ولا تجعلوهم يستفردون بإخواننا وإخوانكم في قطاع غزة"( )، فضلاً عن التركيز على إبراز هشاشة وضعف إسرائيل، وكذلك انتقاد الدعم الدولي لإسرائيل ولا سيما الأمريكي.
بغض النظر عن مواقف التنظيمات الإرهابية من أحداث "طوفان الأقصى"، فإن تعاطيها مع أحداث غزة لا يدل فحسب على موقفها الداعم لفلسطين ولحماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية، وإنما دل على استغلالها هذه الأحداث لاستعادة نشاطها العملياتي داخل المنطقة وخارجها. فقد استغل إعلام التنظيمات الإرهابية الأجواء المشحونة بواقع التأثر بمشاهد استشهاد أطفال فلسطين، من خلال خلط مفاهيم الدفاع عن قضية عادلة بمفاهيم التطرف والعنف، التي تسعى إلى الترويج لها بين قطاع جماهيري أوسع، يصبح قادرا على تنفيذ أهدافها، كما استغلت التنظيمات الإرهابية أحداث فلسطين لتدوير أفكارها حول الجهاد العالمي ضد الغرب الكافر.
حرب غزة ووتيرة الإرهاب في المنطقة
نفذ تنظيم الدولة الإسلامية هجوماً في 8 نوفمبر/تشرين الثاني عند مثلث الرقة – حمص – دير الزور، أدى إلى مقتل 34 عنصراً من القوات السورية، الأمر الذي يثير المخاوف بشأن احتمال استعادة التنظيم نشاطه العملياتي في مناطق النفوذ التقليدية وخصوصاً سوريا والعراق، الأمر الذي تؤكده المؤشرات المهمة على مستوى النشاط العملياتي للتنظيم منذ أحداث غزة، وتتمثل في التركيز على العمليات النوعية، ذات الكلفة المنخفضة التي تستخدم أسلحة خفيفة ومتوسطة، وعدد أقل من الجنود، مع التمركزات التي تؤدي إلى خسائر كبيرة في صفوف الجهات المستهدفة، والتركيز على مناطق النفوذ التقليدية التي كانت خاضعة لسيطرة التنظيم في فترات التمكين. يدل هذا على وجود جيوب وخلايا إرهابية صغيرة تابعة للتنظيم تستهدف مناطق رخوة أمنياً مثل البادية السورية وتشمل محافظات دير الزور، والرقة، وحلب، وحماة، وحمص، وريف دمشق، والسويداء. يبدو أن التركيز على هذه المناطق جاء بسبب الاحتجاجات المستمرة وأزمات الحكم المحلي، وهي سياقات تمثل بيئة خصبة لنشاط التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية.
أما تنظيم القاعدة وأفرعه والجماعات المرتبطة به، فقد وجد أحداث "طوفان الأقصى" فرصة مواتية، خاصة مع إدراكه لمركزية القضية الفلسطينية في الدول العربية والإسلامية، وبالتالي إمكانية إحياء أيديولوجياته، وفي سبيل ذلك وجهت القاعدة عبر بياناتها ومنصاتها الإعلامية عدة دعوات لاستمرار العمليات من غزة، والتحريض على إشعال الضفة الغربية، والدعوة لإمداد الفصائل بالأسلحة، وكذلك التحريض على استخدام القوة في دول الجوار الفلسطيني وفي الدول التي وقعت الاتفاقيات الإبراهيمية مع إسرائيل.
قلق غربي من تمدد الإرهاب خارج المنطقة
توعد تنظيما الدولة الإسلامية والقاعدة بعض الأهداف الغربية واليهودية، وهو ما أثار قلق الأوساط الغربية وذلك في أعقاب عدد من الحوادث والعمليات الانتحارية التي شهدتها عدة مدن غربية خاصة في بروكسل و فرنسا منذ بداية الحرب في غزة بسبب المواقف الغربية الداعمة لإسرائيل في حربها ضد غزة رغم مقتل أكثر من عشرين ألف مدني فلسطيني.
أصدر رؤساء الاستخبارات الغربية في مجموعة "إم أي 5" (أستراليا – كندا – نيوزيلندا – المملكة المتحدة – الولايات المتحدة) في مؤتمر في كاليفورنيا عقد في 17 أكتوبر 2023 نظمه مكتب التحقيقات الفيدرالي، تحذيراً مشتركاً من احتمال تزايد هجمات محلية على إثر الأحداث في غزة والتوتر في منطقة الشرق الأوسط، واستجابة لتلك التحذيرات اتخذت الدول الأوروبية إجراءات فورية وسريعة برفع درجات التأهب الأمني، ولكن بدرجات مختلفة، لكنها عند أعلى مستوى في بلدان مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا.
ختاماً، قد ينعكس استمرار الحرب على غزة والانشغال بها دوليا وإقليميا سلباً على جهود مكافحة الإرهاب، ويوفر فرصاً سانحة أمام التنظيمات الإرهابية لإعادة تنظيم صفوفها وانتشارها عالمياً، وإحيائها نمط "الذئاب المنفردة" وتشجيعها على تنفيذ هجمات في الدول الغربية الداعمة لإسرائيل والولايات المتحدة. وفي ظل ما تشهده معظم المجتمعات العربية من حالة الغضب الشعبي والإحباط لدى قطاعات واسعة من الشباب تجاه الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني والتي وصلت إلى حد الإبادة الجماعية، تجد الجماعات المتظرفة مناخا مناسبا لترويج خطاب الكراهية والعنف في المنطقة وحول العالم.
شرين فهمي تعمل مدرسةً للعلوم السياسية بمعهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية