المصدر: Getty
مقال

في ظل التصعيد بين إيران وإسرائيل: هل سيلجأ الأسد إلى الدول العربية؟

نزعة إيران إلى المغامرة قد تدفع بدمشق إلى الانخراط في الجهود التي تقودها السعودية وإعادة الاندماج في الحظيرة العربية.

 فيصل عباس محمد
نشرت في ٢٣ أبريل ٢٠٢٤

زجّت التشنجات المتصاعدة بين إسرائيل وإيران بنظام الرئيس السوري بشار الأسد في موقف غير مريح بصورة متزايدة. فالهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان/أبريل والهجوم الإيراني الانتقامي على إسرائيل بعد 12 يومًا والغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على الأراضي الإيرانية، في تطوّرٍ شكّل تصعيدًا غير مسبوق في حرب الظل المنخفضة الحدّة بين تل أبيب وطهران، قد يؤدّيان إلى اندلاع مواجهة أوسع نطاقًا إلى حد كبير.

لطالما سعى النظام في دمشق، على الرغم من خطابه الاستعراضي، إلى تجنّب أي مواجهة مباشرة مع إسرائيل. فهل يمكن لاحتمال قيام إيران بالرد على إسرائيل انطلاقًا من الأراضي السورية أن يدفع بالنظام إلى إعادة النظر في علاقته مع طهران، وبالتالي، أن يدفع بالقيادة السورية إلى تصويب أنظارها نحو الكتلة العربية؟

طلبت الدول العربية من دمشق، في مقابل التقارب الكامل، الالتزام بثلاثة أهداف في سورية: التوصّل إلى تسوية سياسية (لتيسير عودة اللاجئين إلى بلادهم بصورة أساسية)، ومكافحة تهريب المخدرات، والحد من التأثير الإيراني. وفي هذا الصدد، استخدمت الدول العربية مقاربة الجزرة والعصا. ففي أعقاب الزلزال المدمّر الذي ضرب البلاد في شباط/فبراير 2023، رأت هذه الدول أن الفرصة سانحة لتوطيد الانخراط مع النظام. وأعلنت مثلًا تعهّدات بتمويل إعادة الإعمار، بالتوازي مع تعزيز الاتصالات الدبلوماسية مع نظام الأسد: فقد أرسلت الإمارات العربية المتحدة سفيرها إلى دمشق في كانون الثاني/يناير 2024، بعد أكثر من عقد على توقّف التمثيل الدبلوماسي الرفيع المستوى بين البلدَين، وقبِلت السعودية أوراق اعتماد السفير السوري لديها في كانون الأول/ديسمبر 2023، ثم عيّنت قائمًا بالأعمال لاستئناف الأنشطة القنصلية.

ولكن الأسد لم يبذل، منذ حضوره قمة الجامعة العربية في أيار/مايو 2023 التي تقرّر خلالها إنهاء تعليق عضوية سوريا بعد اثنَي عشر عامًا من بدء العمل به – لم يبذل أي جهودًا جدّية لاستيفاء طلبات الجامعة العربية، وقد تصدّت دول عدّة لهذا التعنّت. فقد عمد الأردن تدريجًا إلى توسيع نطاق توغلاته العسكرية داخل الجزء الجنوبي من سوريا في حملة مدعومة على الأرجح من الخليج لمكافحة تهريب المخدرات الذي يمدّ النظام بشريان حياة اقتصادي يحظى أيضًا بالدعم من إيران. وكذلك أفادت تقارير بأن المسؤولين السعوديين المستائين أبدوا امتعاضهم من الأسد في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 لعدم تلبيته المطالب العربية.

على الرغم من الانتقادات التي تعالت بصورة متزايدة في أوساط الكتلة التي تقودها السعودية، وتفاقم التصعيد بين إسرائيل وإيران، لم يتراجع المسؤولون السوريون عن موقفهم. فقد قال الأسد، في قمة جدة في أيار/مايو 2023، إن "تغيير الأحضان ليس تغييرًا للانتماء"، في إشارة واضحة إلى تحالفه مع إيران. واتّهم الأسد تكرارًا الدول العربية بالفشل في "تقديم حلول عملية" للنزاع السوري. حتى إن وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ألقى باللائمة على الجامعة العربية في تعثّر نموذج "الخطوة مقابل الخطوة" لإعادة تأهيل سوريا.

في اللحظة الراهنة، من غير المرجّح أن يرضخ الأسد لضغوط الكتلة العربية أو أن يحد بشكل ملموس من علاقته مع إيران، إلا إذا اندلع نزاع كبير بين إيران وإسرائيل في سوريا يمكن أن يهدد قبضة الأسد الضعيفة أصلًا على السلطة. هذا فضلًا عن أن الحسابات الإيرانية تجعل التصعيد الكبير مع إسرائيل أمرًا مستبعدًا. ففي حين أن الرد الإيراني في 13 نيسان/أبريل كان غير مسبوق بالتأكيد، يُستشَفّ من طبيعة الهجوم، الذي كان محدودًا وأرسلت إيران تحذيرًا مسبقًا بشأنه، أن الهدف منه كان توجيه إشارة ردع استعراضية نوعًا ما من دون التسبب برد أميركي-إسرائيلي واسع النطاق. 

مع ذلك، ثمة خطرٌ بأن تؤدّي الهجمات الإسرائيلية على المناطق الحدودية في جنوب لبنان إلى اندلاع نزاع بين حزب الله وتل أبيب. وبما أن الهجوم الإيراني على إسرائيل أُطلق جزئيًّا من الأراضي السورية، من الممكن أن يشتمل أي عمل انتقامي إسرائيلي ثاني على هجوم على أهداف في سوريا، ولا سيما في جنوب البلاد. في الأسابيع الأخيرة، نشرت روسيا قوات إضافية في المناطق الخاضعة للسيطرة السورية في مرتفعات الجولان، والدافع الظاهري هو "تخفيف حدّة التوتر" في القنيطرة ودرعا. ولكنها فشلت في منع العملية الإيرانية الأخيرة، ما يشير إلى أن موسكو غير قادرة على احتواء التشنجات على هذه الجبهة.

حتى الآن، لم يبتعد الأسد عن إيران ويتحوّل نحو تعاون مجدٍ مع الدول العربية المجاورة. ولكن، مع ازدياد الأعمال العدائية بين إسرائيل وإيران، فإن نفور الأسد من المخاطرة قد يقود به في نهاية المطاف إلى النأي بنفسه عن مغامرات إيران الإقليمية.

فيصل عباس محمد أستاذ سوري-كندي متقاعد في السياسة الشرق أوسطية والعلاقات الدولية، ومعارض مخضرم كان شاهدًا على الانتفاضة السورية. لمتابعته عبر "أكس" @fmohamad2.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.