المصدر: Getty
مقال

أزمة المياه والأمن الغذائي في سوريا

يمثل التغير المناخي تحدياً متزايداً تواجهه سوريا، لكن كثيراً ما يتم تجاهله، وهو المسبب للجفاف الذي يؤدي إلى تدهور الانتاج الزراعي، ما زاد الوطأة على الفقراء والأسر الأشد ضعفًا وتهميشاً.

 جلال العطار
نشرت في ٤ أبريل ٢٠٢٤

أدى التغير المناخي إلى زيادة حدة الجفاف في منطقة الشرق الأوسط، فمنذ عام 2020 فصاعداً عانت هذه المنطقة وخاصةً المناطق الصحراوية الجنوبية والشرقية من سوريا من انخفاض الهطولات المطرية ودرجات الحرارة المرتفعة بشكل استثنائي، أدى الجفاف الناتج عن ذلك إلى آثار شديدة على الزراعة وتوفر المياه الصالحة للشرب وتناقص الأحواض المائية، جاء ذلك في وقت أدت فيه الصراعات والاضطرابات السياسية بما في ذلك تداعيات الأزمة السورية، فضلاً عن عوامل اجتماعية واقتصادية كارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية، إلى تفاقم عواقب الجفاف، خاصةً على الأمن الغذائي. 

التغير المناخي وزيادة معدل الجفاف

تشير الدراسات العلمية أن موجات الجفاف التي تمر بها سوريا لم تكن لتحدث لولا ظاهرة التغير المناخي، ومن المتوقع أن يستمر هذا الوضع أو حتى يتفاقم في المستقبل. وتبين إحدى الدراسات العلمية أن احتمال وقوع الجفاف في المنطقة كان قبل ظاهرة التغير المناخي مرة كل 250 سنة، ويزداد ليصبح مرة كل عشر سنوات عند ازدياد الحرارة 1.2 درجة مئوية، وقد يصبح احتمال حدوث الجفاف مرة كل خمس سنوات عند وصول ازدياد الحرارة إلى 2 درجة مئوية.

يوجد عاملان يؤثران على حدوث الجفاف وهما انخفاض الهطولات المطرية وزيادة التبخر. ورغم وجود تغير طفيف في كمية الهطولات المطرية وغزارتها، لكن هناك زيادة ملحوظة في ارتفاع درجة الحرارة، مما يزيد من معدل تبخر المياه، ويؤدي إلى جفاف التربة، وانخفاض مستوى المياه الجوفية، والتقلص المستمر للمسطحات المائية في الأنهار والبحيرات والسدود التي تقدر كمية المياه المفقودة منها في سوريا حتى عام 2022 بنحو 2.2 مليار متر مكعب.  وقد أدى التغير المناخي والسياسات المائية التركية التي تعاني هي أيضاً من تأثيرات هذه الظاهرة إلى انخفاض في تدفق مياه نهر الفرات وروافده إلى سوريا بنسبة 40% تقريبًا عام 2015 مقارنة بتدفقه عام 1972، ووصل التدفق المسجل عام 2020 إلى حوالي 244 متر مكعب في الثانية فقط، أي أقل من نصف المتفق عليه في الاتفاقات الدولية. إن الجفاف المستمر للموارد المائية الرئيسية، وحقيقة أن السوريين ما زالوا يضخون سنويًا حوالي أربعة وثلاثين مليون متر مكعب من المياه الجوفية، هو أمر يتجاوز بكثير كمية المياه المتجددة التي يمكن أن تعوض الفارق.

تأثر القطاع الزراعي بسبب التغير المناخي

تعتبر المياه المعتمدة على التساقط المطري الشريان الحيوي للزراعة والإمداد المائي للسكان في سوريا. لقد حدث استنزاف كبير للوضع المائي السوري منذ عقود بسبب النمو الاقتصادي والتنافس على المياه المشتركة دولياً، ويلعب التغير المناخي دوراً متزايداً في ذلك، حيث تظهر بيانات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) أن سوريا تعاني من جفاف شديد وطويل الأمد وندرة المياه، وقد أجبرت موجات الجفاف المتتالية في شمال وشرق سوريا الفلاحين وخاصة الشباب على العمل في قطاعات أخرى غير زراعية، ونتيجة لهذه الظروف انخفض الإنتاج الزراعي في عام 2010 بمقدار الثلث عن متوسط الأعوام السابقة. واستمر هذا المنحى مستمراً في التدهور متضافراً مع انعكاسات الأزمة السورية على القطاع الزراعي، حيث قدرت منظمة الأغذية والزراعة مؤخرًا أنه تم حصاد 1.05 مليون طن فقط من القمح في عام 2021. ويمثل هذا أدنى انتاج لمحصول القمح منذ ما يقرب من نصف قرن، وهو انخفاض بنسبة 63% عن محصول عام 2020 البالغ 2.8 مليون طن، ويشكل 25% فقط من متوسط الانتاج بين عامي 2002 و2011 البالغ 4.1 مليون طن. 

تأثير ظاهرة التغير المناخي على الأمن الغذائي في سوريا

يشارك التغير المناخي من ضمن عدة عوامل، يعزز كل منها الآخر، في تكوين أزمة الأمن الغذائي في سوريا، حيث يجعل تغير نمط الأمطار حدوث الجفاف والفيضانات أمراً أكثر شيوعاً، ويقلل الجفاف من كميات الماء المتاحة للزراعة، كما يزيد ارتفاع درجات الحرارة من حاجة النباتات للماء. هذا يؤدي إلى انخفاض معدلات الإنتاج الزراعي والموارد الغذائية، وبالتالي زيادة تكلفة الغذاء وقلة توافره. 

يؤثر تدهور الزراعة وانعدام الأمن الغذائي على الفقراء والأسر الأشد ضعفاً والأكثر تهميشاً في المجتمعات، ويزيد من القلق الاجتماعي وعدم المساواة بين طبقات المجتمع. ويؤدي إلى عدم الاستقرار مثل الهجرة التي حدثت من الأجزاء الشرقية من سوريا (الحسكة ودير الزير والرقة) إلى المدن الكبرى كدمشق وحلب ودرعا، مما أدى إلى حدوث ضغط كبير على النازحين والمجتمعات المضيفة بآن واحد. 

إجراءات التكيف مع التغير المناخي

يتعين على الحكومة العمل على تحسين البنية التحتية وتطوير التخطيط الحضري المستدام والذكي لتعزيز جهود التكيف مع التغير المناخي، وتحسين إدارة الموارد المائية، وتحسين الاستدامة في استخدام المياه من خلال تطبيق أنظمة الري الحديثة،  وتعزيز الزراعة المستدامة، وتشجيع زراعة المحاصيل المتكيفة مع تغير المناخ والتي تستهلك كميات أقل من المياه، وزيادة قدرة المجتمع على التأقلم من خلال نشرالوعي بخطورة التغير المناخي، وتعزيز التعاون الدولي مع دول الجوار لتقاسم الموارد المائية، والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.

جلال العطار، مهندس زراعي يعمل في مجال الأبحاث العلمية الزراعية، مدير أعمال في قسم الزراعة في هيئة الطاقة الذرية السورية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.