REQUIRED IMAGE

REQUIRED IMAGE

مقال

الإنترنت تقضي على الرقابة

بينما يجتذب التلفزيون الفضائي غالبا نصيب الأسد من التحليلات حول الإعلام الجديد وتأثيره على احتمالات الديموقراطية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن تكنولوجيا أخرى ربما كان لها بالفعل تأثير بالقدر نفسه على الأقل

نشرت في ٢٨ أغسطس ٢٠٠٨

بينما يجتذب التلفزيون الفضائي غالبا نصيب الأسد من التحليلات حول الإعلام الجديد وتأثيره على احتمالات الديموقراطية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن تكنولوجيا أخرى ربما كان لها بالفعل تأثير بالقدر نفسه على الأقل: الإنترنت. في المغرب، حيث ضيق الحكم بشدة على الصحافة المطبوعة أو سيطر عليها أو أسكتها عن طريق الرقابة المباشرة وغير المباشرة، أصبحت الإنترنت أداة مهمة لتدفقات لا كابح لها من المعلومات، تؤدي بدورها إلى ظهور مجال عام أكثر حيوية.

 

إن درجة الاتصال المغربي بالإنترنت مدهشة. فبالنسبة لبلد أسس أول اتصال بالإنترنت في 1995، في المغرب الآن مليون مستخدِم من بين سكان يبلغ تعدادهم حوالي 32 مليوناً, واحدة من أعلى معدلات النمو في العالم العربي. كما تساعد مقاهي المجال الإلكتروني (يبلغ عددها الآن أكثر من 1500)، وكذلك برتوكولات الصوت عبر الإنترنت من أجل المخابرات الهاتفي الرخيصة للمسافات البعيدة، على انتشار الإنترنت.

 

منذ إدخال الإنترنت إلى المجال السياسي في أواخر التسعينات، أصبحت وزارات الحكومة والأحزاب والبرلمان على الشبكة. يصح الأمر نفسه على الناشطين وجماعات المجتمع المدني، التي لها تراث طويل في تطوير إعلام مستقل واستخدامه للترويج لاهتماماتها وتسهيل الاتصال.

 

من أهم حالات الاستخدام السياسي للإنترنت في المغرب حالة عبد السلام ياسين، قائد "العدل والإحسان"، وهي منظمة سياسية ذات توجه إسلامي. وقد اكتسب استخدام الإنترنت لأغراض سياسية زخما في العام 2000 عندما أنشأت "العدل والإحسان" موقعا إلكترونيا (http://www.yassine.net ) لنشر خطاب مفتوح بلغات أوروبية عديدة بعد أن حظر الحكم صحيفة مستقلة لأنها نشرته. كانت المذكرة الضخمة المعنونة "إلى من يهمه الأمر" تنتقد عهد الملك الحسن الثاني وتحث الملك محمد على إعادة توزيع ثروة الملك الراحل. وكان موقع ياسين يعرض مصادر للمعلومات وأخبارا وبرامج سمعية وبصرية، كاسرا بذلك سلسلة الرقابة.

 

حالة مهمة أخرى ومنفصلة تظهر كيف تسهّل الإنترنت التواصل السياسي في مواجهة الميول السلطوية المتزايدة هي حالة نادية ياسين، ابنة عبد السلام ياسين والمتحدثة غير الرسمية باسمه. في حديث نشر في 2 يونيو 2005 في المجلة الأسبوعية المغربية "الأسبوعية الجديدة" انتقدت نادية ياسين نظم الحكم السلطوية وأبدت تأييدا للجمهورية. اتهُمت نادية ياسين بالإضرار بالملَكية وإذا وجدت مذنبة قد تواجه غرامات ثقيلة وما يصل إلى خمس سنوات في السجن. بعد توجيه الاتهامات أنشأت نادية ياسين موقعا إلكترونيا بالعربية  والإنجليزية والفرنسية  (http;//www.nadiayassine.net) يحتوي على معلومات تفصيلية عن تاريخ حياتها وأفكارها ونشاطاتها بما في ذلك نبذات صوتية لمحاضراتها العامة (مثلا محاضرة أعطيت في جامعة كاليفورنيا في بيركلي)،  إلى جانب النص الكامل للحديث الذي أدى إلى القضية ضدها. وتلقى الموقع عديدا من رسائل البريد الإليكتروني المؤيدة، معظمها من مغاربة ذوي تعليم رفيع.

 

ولم يكن الإسلاميون هم وحدهم الذين يستخدمون الإنترنت للتغلب على القيود الحكومية. فمنذ يناير 1998 يستخدم المثقف والناشط في مجال حقوق الإنسان مهدي المنجرة، الممنوع من الوصول إلى الإعلام المغربي النظامي، موقعه الإلكتروني ( http://www.elmandjara.org)  وقوائم عناوين البريد الإلكتروني لتوزيع المعلومات ووجهات نظر بديلة. وقد أسس المنجرة مؤخرا

 " حركة بركة" المماثلة لحركة كفاية المصرية، التي تعارض الاستبداد واحتكار السلطة. وباستخدام شبكة علاقاته مع المنظمات الدولية والوطنية لحقوق الإنسان، يستطيع النشر بسرعة عن الإساءات وانتهاكات حقوق الإنسان والممارسات القمعية.  إنه يعتقد أن التشارك في المعلومات عنصر مهم في المشاركة السياسية، حيث إنها تمكن الأفراد المهمشين وجماعات المجتمع المدني من التغلب على رقابة أنظمة الحكم. منذ 1998 حصل موقعه على أكثر من 400.000 طَرْقة، وهو رقم ضخم لزوار موقع إلكتروني شخصي في العالم العربي.

 

النشاط السياسي المبني على الإنترنت ما زال وليدا في العالم العربي، لكنه ينمو بوتيرة سريعة ومرشح للقيام بدور متزايد في التعجيل بالتعددية السياسية. والنظام المغربي ليس جاهلا بقوة الإنترنت ويحاول كبح فعاليتها عن طريق قيود قانونية مثل قانون مكافحة الإرهاب للعام 2003 كما عن طريق أساليب تقنية مثل تصفية المواقع الإلكترونية وحجبها. لكن تلك الأساليب عديمة الفعالية في النهاية: فحتى عندما يُغلَق موقع إلكتروني، تبقى هناك قوائم عناوين بريد إلكتروني ومدونات تواصل حمل القضية.

 

محمد إباهرين محاضر في الدراسات الدولية والاتصالات المقارنة في جامعة إرفورت بألمانيا.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.