أصبح التغيير في السياسات الداخلية والخارجية للمملكة العربية السعودية أمراً محتوماً بعدما ضربت أمواج الاحتجاجات الشعبية الشواطئ البحرينية. فقد سارعت الرياض إلى إطلاق برنامج ضخم للإنفاق العام، وأعلنت عن إصلاحات شكلية في محاولة لصدّ الانتقادات. وفجأةً وضعت جانباً خلافاتها المتعدّدة مع الأعضاء الآخرين في مجلس التعاون الخليجي - ولاسيما قطر – وباشرت معهم تنفيذ سياسة جماعية، ولو متناقضة، للتعامل مع الانتفاضات في المنطقة. ومع تواصل الازمة في البحرين، تكثر التقارير التي تتحدّث عن اتّخاذ السعودية قراراً بتسلّم زمام الأمور بنفسها وممارسة دور أكبر في الشؤون الداخلية للبحرين من خلال "الاتحاد" مع المنامة. ومن شأن هذا الاندماج أن يرسي أساس "اتحاد دول الخليج العربي" المقترَح.
لاتزال تفاصيل هذا الاتحاد ضبابية جداً. فلم يجرِ الإعلان عن أي خطوات محدّدة في اجتماع مجلس التعاون الخليجي في الرياض في 14 أيار/مايو، وربما يجب الانتظار حتى القمة السنوية لمجلس التعاون الخليجي في شهر كانون الأول/ديسمبر المقبل (علماً أن بعض التقارير تشير إلى أنه قد يتم إعلان الاتحاد قبل ذلك). بيد أن الخبر الرئيس في عواصم دول مجلس التعاون الخليجي هو أن الرياض تدفع باتّجاه الوحدة مع البحرين، مع ان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قال: "الهدف هو انضمام كل الدول، وليس دولة او اثنين او ثلاث". وقالت وزيرة الدولة البحرينية لشؤون الإعلام سميرة رجب: "يمكن أن يبدأ هذا الاتحاد بعضوين أو ثلاثة من أصل الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي...وقد ينطلق المشروع بين البحرين والسعودية.. وسيكون الاتحاد شبيها بالاتحاد الأوروبي". وأضافت "السيادة تبقى مع كل دولة وتبقى دولة عضو في الأمم المتحدة لكن الدول ستحدد في القرار بمجال العلاقات الخارجية والأمني والعسكري والاقتصادي".
تأمل السعودية في تحقيق عدد من الأهداف عبر التوحّد مع البحرين. أولاً، مع أن السعودية تمارس أصلاً تأثيراً كبيراً على السياسة في البحرين، إلا أنه من شأن الاتحاد أن يطمئن آل سعود إلى أنهم يستطيعون إبداء رأيهم بصورة شرعية حول أي اقتراح إصلاحي داخل الحدود الجديدة. فتساور المسؤولين السعوديين مخاوف شديدة من إمكان توصّل المعارضة الشيعية والقوى المعتدلة في الحكومة البحرينية إلى تسوية، ويخشون أن تؤدّي أي تسوية في البحرين إلى منح زخم واندفاعة لشيعة السعودية المتململين، وأسوأ من ذلك، أن تحفّز تشكيل حركة وطنية علمانية في البحرين، الأمر الذي من شأنه أن يقود إلى ممارسة ضغوط على الحكومة البحرينية لاتّخاذ خطوات فعلية نحو تشكيل ملَكية دستورية.
ثانياً، من شأن الاتحاد بين السعودية والبحرين أن يؤدّي إلى تغيير التوازن المذهبي. إذ سوف يشكّل الشيعة حوالى عشرة في المئة من مجموع السكّان في البلدَين، ويأمل النظام السعودي في أن يساهم هذا الواقع في تغيير المعادلة السياسية في البحرين ويساعده على التعامل مع المعارضة الشيعية داخل السعودية والتي تستمرّ في تنظيم احتجاجات متفرِّقة.
ثالثاً، سوف يمنح الإطار الفدرالي المقترح الرياض غطاء قانونياً لاحتكارها الإطار الأمني في البحرين، ويتيح لها نشر قوات دائمة هناك، فتفتح بذلك جبهة جديدة في معركتها ضد "تهديد إيراني" متصوَّر.
أخيراً، هناك سياق إقليمي أوسع لهذه المغامرة السعودية الجديدة. فالسعودية تعتبر اتّحادها الثنائي مع المنامة تمهيداً أساسياً للوصول إلى "اتحاد دول الخليج العربي" الأوسع نطاقاً. وتأمل الرياض في أن يُقدِّم الاتحاد مع البحرين دليلاً على المنافع الاقتصادية والأمنية، فيشكّل مؤشراً على جدوى تشكيل اتحاد أوسع. يقودنا هذا إلى السؤال عن السبب وراء الدفع نحو إنشاء الاتحاد العربي في هذا الوقت بالذات.
في الواقع، لقد أسقط النصر الانتخابي للإخوان المسلمين في مصر الزعم السعودي بأنه لايمكن أن يكون هناك التقاء بين الإسلام وبين الانتخابات البرلمانية. فضلاً عن ذلك، أثارت إطاحة نظام مبارك الانزعاج في أوساط العائلة المالكة السعودية التي باتت تشعر بأنه لم يعد بإمكانها الاعتماد على الولايات المتحدة لضمان بقائها في السلطة. ومن شأن هذا الخوف أن يتحوّل ارتياباً استراتيجياً في حال توصّلت طهران وواشنطن إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني. وفي هذا السياق، تسعى السعودية إلى تعزيز الاندماج في مجلس التعاون الخليجي للحفاظ على النظام الملَكي والتصدّي إلى جماعة الإخوان المسلمين الصاعدة، والحدّ من الاعتماد على الولايات المتحدة، والوقوف في وجه التهديدات المتصوَّرة التي يمكن أن تترتّب عن تحالف شيعي-إيراني.
والاتحاد بين السعودية والبحرين ليس مفاجئاً: فالحكم في دول مجلس التعاون الخليجي هو شأن عائلي، ولطالما استُخدِم الزواج أداة سياسية وموحِّدة، وهناك علاقات زواج بين كل السلالات الحاكمة (باستثناء الأسرة الحاكمة في عُمان)؛ ولذلك لدى العائلات المالكة واجب عائلي في الحفاظ على الوضع القائم إلى الجانب المصلحة السياسية التي يُحقّقها لها ذلك. كما أن السعودية تؤمّن 70 في المئة من موازنة البحرين عبر السماح لها بالوصول إلى حقل نفطي سعودي.
مع ذلك، وكي تتجسّد هذه الاستراتيجية السياسية على أرض الواقع، يجب أن تعمد الرياض إلى تمكين حلفائها في الحكومة البحرينية، على غرار رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة ووزير الديوان الملكي خالد بن أحمد آل خليفة، في مواجهة ولي العهد سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة الأكثر ميلاً إلى التوفيق بين الأطراف والذي يؤيّد إجراء حوار وطني مع المعارضة. وينظر رئيس الوزراء البحريني، على غرار أسياده السعوديين، إلى الأحداث من خلال عدسة مذهبية ضيّقة تلقي اللوم على إيران و"حزب الله".وقد بدا حريصاً على الدفاع عن اتحاد دول الخليج العربي واصفاً إياه بأنه "الحلم الأكبر لشعوب المنطقة".
لكن أصوات المعارضة في البحرين أقل تفاؤلاً بكثير: فقد طالبت جمعية الوفاق بتنظيم استفتاء شعبي حول خطة التوحيد. وأبدى بعض المسؤولين، مثل جمال فخرو، النائب الأول لرئيس مجلس الشورى، شكوكاً حول جدواه.
فضلاً عن ذلك، من المستبعد أن توافق الأنظمة الملكية الأخرى في مجلس التعاون الخليجي بسهولة على الانضمام إلى الاتحاد. فثمة العديد من الخلافات الأيديولوجية والنزاعات على الأراضي بين الدول الأعضاء في المجلس، ما يؤدّي إلى تعقيد العلاقات الثنائية من حين لآخر. ونظراً إلى أن المملكة العربية السعودية أكبر لناحية عدد السكان والمساحة الجغرافية - فضلاً عن دورها الفريد في العالم الإسلامي - تساور الشكوك الأعضاء الأصغر حجماً في المجلس بشأن الهدف النهائي الذي تصبو إليه السعودية. كما أن هذه الدول ترفض النتائج التي يمكن أن تترتّب عن الاتحاد في موضوع الهوية: فهو يعطي الهوية الخليجية الأولوية على الهوية الوطنية، ولاتجد نفسها بحاجة إلى عروض التعاون العسكري التي تقدّمها السعودية في الوقت الذي تتمتّع فيه بامتياز الحماية العسكرية الأمريكية ضد أي تهديد لسلامة أراضيها.
لقد أبدى رئيس مجلس الأمة الكويتي الجديد، أحمد السعدون، معارضته لهذه الخطوة، مشيراً إلى أنه لا يمكن أن يكون هناك اتحاد بين دول طبيعة أنظمتها السياسية مختلفة، حيث لا يمكن أن تتحد الكويت - مثلاً - كدولة تتمتع بقدر من حرية التعبير والتمثيل الشعبي وقدر من حق الناس في إدارة شؤونهم، مع دول تعج سجونها بالآلاف من مواطنيها لأنهم عبروا عن آرائهم، بحسب تعبيره. وقد طالبت دول أخرى في مجلس التعاون الخليجي بمزيد من الوقت لدراسة الاقتراح أو دعت إلى اعتماد مقاربة تدريجية.
نعمة خورامي أصل باحث مشارك في منتدى الدفاع البريطاني.
* تُرجمت هذه المقالة من اللغة الإنكليزية.