المصدر: Getty
مقال

زمزم والإخوان المسلمون في الأردن

تطرح مبادرة زمزم نفسها على أنها بديل عن جماعة الإخوان المسلمين الأردنية، إلا أنه من المستبعد أن تقنع الأردنيين بأنها تقدّم شيئاً جديداً.

 طارق النعيمات
نشرت في ٤ فبراير ٢٠١٤

لم تهدأ الخلافات في صفوف جماعة الإخوان المسلمين في الأردن  بالأعوام القليلة الماضية، فبعد سنوات من شد وجذب وحشد داخلي تم خلاله استحضار طيف واسع من  التباينات على أسس شخصية وفكرية وإثنية، وصلت الأمور أخيراً للتأسيس لانشقاق مجموعة من القيادات المهمة والتي تعمل على تشكيل نواة حزبية جديدة تخرج من عباءة الجماعة وتُعرَف بـالمبادرة الأردنية للبناء. وبعد أكثر من عام على إطلاقها، يبقى السؤال مطروح  ما الجديد الذي تقدمه المبادرة خصوصاً أن برنامجها المعلن عمومي فضفاض يتحدث عن توافق وطني وإصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي  بأسلوب رومنسي شبييه جداً بالشعارات التقليدية الاعتيادية التي ينادي بها إخوان الأردن منذ سنوات عديدة.

المبادرة الأردنية للبناء، المعروفة أكثر بـزمزم، التي أُشهِرت في حفل بمشاركة شخصيات رسمية في 5 تشرين الأول/أكتوبر الماضي هي الوليد الجديد القادم من رحم الإخوان بعد حوالي عام من إعلانها على الملأ وسط جدل لم ينتهِ. وتسعى زمزم بحسب القائمين عليها إلى "الإصلاح السياسي وبخاصة إصلاح الدستور لأنه الأساس في أي إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي، وتطوير الخطاب الإسلامي وتجديده بما يتوافق مع كونه إطاراً حضارياً واسعاً للأمة بكل مكوناتها". تعود جذور مبادرة زمزم إلى  انتخابات الإخوان الداخلية عام 2008 عندما تقاسم فريق المراقب العام المقال سالم الفلاحات مقاعد المكتب التنفيذي مع التيار الوسطي الصقوري. ولكن الخلافات لم تهدأ طوال مدة ولاية المكتب ولم تنتهِ إلا بخروج  تيار الوسط الحمائمي بقناعة مفادها أن العمل داخل الجماعة مضيعة للوقت في ظل  استمرار خلافات طاحنة. وهكذا قرّر هذا التيار المضي بمبادرته الخاصة.

مما لاشك فيه أن الضربات التي وجهها النظام الأردني للجماعة تباعاً طوال سنوات 2007 - 2010 زادت من حدّة الخلافات الداخلية التي دفعت  بتيار الوسط الحمائمي  إلى  الابتعاد عن  الجماعة دون الانفصال عنها رسميا. وتمثّلت هذه الضربات في الهجوم الإعلامي وسجن بعض القيادات وتعيين مجلس جديد موالي للحكومة في حزيران/يونيو 2007 على أهم وأضخم مؤسسة اقتصادية واجتماعية إخوانية وهي جمعية المركز الإسلامي. ولا يزال النظام لغاية اللحظة يبقي ملف الجمعية معلقاً بإجراءات قضائية معقّدة وطويلة في محاولة لإبقاء الملف مفتوحاً كي يسهل استخدامه كورقة مساومة مع الجماعة. في اللحظة التي كان الإخوان يتلقون فيها  الضربة تلو الأخرى، كان الاستياء يتزايد من طريقة إدارة المراقب العام سالم الفلاحات  وفريقه للجماعة وسط معمعة الأزمات. فقد شن التيار الوسطي الصقوري هجوماً عنيفاً على الفلاحات بعدما أصدرت القيادة بياناً مشتركاً مع رئيس الحكومة آنذاك معروف البخيت في 11 تموز/يوليو 2007، يؤكد ولاء الجماعة الى النظام الهاشمي، والذي اعتُبِر تنازلاً ومهادنة مع الحكومة. وتطور الخلاف داخل قيادة الإخوان بعد قرار خوض  الانتخابات النيابية  عام 2007 والحصول على  أدنى نسبة من عدد المقاعد في تاريخ الجماعة نتيجة ما قال عنه الاخوان انذاك انه تزوير ممنهج ضدهم. 

وتشير زمزم ضمنياً إلى أنها تأتي  في الوقت الذي يواجه فيه الإخوان المسلمون منعطفاً تاريخياً مليئاً بالتحدي بعد أحداث 3 تموز/يوليو في مصر. وتحذّر من مغبّة اتخاذ خطوات متهوّرة في مرحلة انتقالية "تتسم بالخطورة وتحتاج إلى أقصى درجات الحكمة والذكاء الجمعي للاستفادة مما يجري في دول المحيط، والاتفاق على قواعد اللعبة السياسية قبل الشروع في التنافس الحزبي". مؤسسو المبادرة  قالوا إن عدد أعضائها 500 نسبة الإخوان منهم 20 بالمئة متوقعين تضاعف الأعداد في المستقبل القريب—من الأرجح من صفوف المستقلين. ورغم  أن المؤسسين، وأبرزهم القياديان الوسطيان ارحيل غرايبة ونبيل الكوفحي، أكدا أن مبادرتهم لا تشكل انشقاقاً عن الجماعة الأم، إلا أن حالة العداء المكتوم  بين الطرفين لم تلبث ان تفجّرت مع تحويل قيادات زمزم إلى محاكمات داخلية قد تفضي إلى فصلهم من الجماعة أو تجميد عضويتهم على الأقل.

يسعى مؤسسو المبادرة كما يقولون  إلى فك ثنائية النظام والإخوان التي سيطرت على المشهد السياسي المحلي  والإقليمي، وبناء طريق ثالث يحقق الاصلاح السياسي المنشود في بلد أنهكته الأزمة الاقتصادية. كما أن الصيغة الشمولية للمبادرة تعيد إلى الأذهان الصيغة الشمولية لجماعة الإخوان في تقديم نفسها ككيان  يتحرك وسط حقول الاقتصاد والسياسة والاجتماع والوعظ والإرشاد. فالعدد الأكبر من المراقبين لم يقتنع بأن المبادرة مشروع سياسي جديد قادر على تحريك المياه الراكدة في الساحة السياسية، خصوصاً مع وجود تجربة مسبقة بانشقاق مجموعة من القيادات الإخوانية وتأسيسها لحزب الوسط الإسلامي أواسط التسعينيات، الخطوة التي لم تلقَ نجاحاً كبيراً ولم يستطع الحزب من خلالها  أن يكون رقماً مؤثّراً في الساحة السياسية أو أن يأخذ من رصيد الإخوان الشعبي.

ولا تبدو البيئة السياسية في الأردن والمزاج الشعبي عاملَين مشجّعَين على نمو الأحزاب وتطورها. فبعد عقود طويلة من محاصرة العمل الحزبي والتخويف منه، إضافة  إلى فشل الأحزاب ذاتها في صياغة برامج جذب للكتل الحرجة في المجتمع، بات الطريق صعباً أمام "زمزم" لإقناع الجماهير بأنها كيان جديد بمضمون جديد. واللافت هو  احتفاء وترحيب النظام بالمبادرة من خلال المنابر الإعلامية الحكومية  التي اهتمت بحفل الإشهار وتبشير كتّابها بالضيف السياسي الجديد، إضافة إلى حضور شخصيات حكومية، حفل إشهار زمزم. وهو ما يشي بأن النظام يريد أن يستثمر زمزم لإضعاف الإخوان وخلق صورة لدى الرأي العام بأن الجماعة في طريقها للتلاشي والتشظي، الأمر الذي يثير تشكك الكثيرين من حيادية المبادرة وعدم استخدامها كورقة بيد النظام لإضعاف النواة الصلبة للمعارضة السياسية.

تبدو قدرة زمزم على سحب الرصيد الشعبي للإخوان محدودة في ظل حفاظ الجماعة على تماسكها رغم خروج عدد من القادة التاريخيين منها على فترات متلاحقة. غالب الظن أن الوعود الغامضة والفضفاضة التي أطلقتها زمزم بإحداث تغيير سياسي سوف تتلاشى ولن تتحوّل إلى واقع.

طارق النعيمات صحفي وباحث أردني متخصص في  شؤون الجماعات الإسلامية   ومؤلف "تاريخ الحركة الطلابية الإسلامية في الأردن"،(مركز دراسات الأمة، عمان، 2010). وعمل سابقا كصحفي زائر  في مركز وودرو ويلسون للدراسات في واشنطن. 

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.