المصدر: Getty
مقال

الوعود الكاذبة للشباب المصري

نظام السيسي يستهدف مساحات جديدة، كمراكز الشباب الرياضية والجامعات من أجل مزيد من خنق التعبير السياسي للشباب المصري.

 محمود فاروق
نشرت في ٣٠ نوفمبر ٢٠١٧

استضافت مدينة شرم الشيخ منتدى شباب العالم في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر، المؤتمر هو السادس ضمن سلسلة من المؤتمرات التي بدأها النظام المصري في تشرين الأول/أكتوبر 2016، ليؤكد للمجتمع الدولي والمحلي أنه يعمل دون كلل لبناء جسور الثقة مع الشباب المصري. لقد اختار الرئيس عبد الفتاح السيسي، لمنتدى شباب العالم الأخير، شعار "يجب أن نتكلم"، وقطع وعداً بتأمين تواصل الشباب مع صانعي القرار ليتمكّنوا من مشاركة آرائهم وخبراتهم حول التنمية والمجتمع المدني ومشاركة الشباب – بالإضافة إلى ريادة الأعمال وحل النزاعات ومشاركة النساء وحرية الإعلام. غير أن هذه الأحداث التي تُسلَّط عليها الأضواء هي في تناقض مباشر مع سياسات الدولة المصرية التي تفرض قيوداً على حرية التعبير لدى الشباب، والتي تقوم على ترسانة من القوانين والسياسات التي تهدف إلى جعل النقاش يقتصر فقط على ما يريد النظام سماعه.

في الرابع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر، أقر البرلمان المصري من حيث المبدأ قانون "الهيئات الشبابية" ليستبدل القانون رقم 77 لسنة 1975، وذكر رئيس البرلمان، الدكتور على عبد العال، أن القانون هو "هدية للشباب قبل مؤتمر الشباب العالمي". القانون – بعد الموافقة النهائية عليه – لن ينظم فقط "النوداي الرياضية الشبابية" وعلاقتها بالدولة بل أيضاً الموضوعات التي يجوز للشباب الحديث أو عدم الحديث عنها داخل النوادي الرياضية. المادة السادسة من القانون تضمنت شرطًا جديدًا جرّم "مباشرة أي نشاط سياسي أو حزبي" أو حتى "الترويج لأي أفكار أو أهداف سياسية". حدّد القانون عقوبة مَن يخالف هذه المادة ويناقش أفكاراً سياسية بـ"عام سجن و50 ألف جنيه مصري غرامة"، طبقًا للمادة 44 من القانون.

علاوةً على ذلك، وضع القانون تعريفات عامة وفضفاضة تعطي السلطة التنفيذية أكبر مساحة ممكنة لاستخدام النص القانوني لمنع ما تريد. فذكرت المادة السادسة من مشروع القانون أن المقصود بالهيئات الشبابية ليس فقط النوادي الرياضية على سبيل الحصر وإنما كل مجموعة توفر الخدمات الرياضية والاجتماعية والصحية والترويجية و"غيرها". كلمه "غيرها" تعطي – كما العادة – السلطة التنفيذية مساحة كبيرة من التحرك لتضع أي هيئة أخرى تحت طائلة القانون، بالأخص الجامعات الخاصة. التعريف الموجود بالقانون جعل النائب البرلماني السيد صلاح حسب الله، المتحدث الرسمي باسم "تحيا مصر"، وهي أكبر كتلة داخل البرلمان، يفسر الهيئات الشبابية على أنها ليست فقط النوادي الرياضية وإنما أيضاً الجامعات حين قال في تعقيبه على القانون في 24 تشرين الأول/أكتوبر: "العمل الحزبي والقانوني يكون خارج النوادي الرياضية للشباب والجامعات، كل تلك الكيانات يجمعها علم مصر وليس الانتماء السياسي". التفسير المقدَّم من النائب جاء بالرغم من أن القانون لم يذكر الجامعات في أي من أركانه. 

القانون جاء ليبني على ترسانة القوانين، والقرارات وأحكام المحاكم التي تغلق أي مساحة ممكنة للتعبير لدى الشباب المصري. ففي كانون الثاني/يناير 2015، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قراراً بتعديل أحكام قانون تنظيم الجامعات (قانون 49 لسنة 1972) وذكر في تعديل المادة 110 من القانون أنه "يعاقب بالعزل من هيئة التدريس أي ممارس للأعمال الحزبية داخل الجامعات". هذا التعديل جاء ليضمن أنه حتى أساتذة الجامعات غير مسموح لهم بالحديث والتعبير عن مواقفهم وأفكارهم السياسية. على جانب آخر، أصدر المجلس الأعلى للجامعات بياناً في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2017 "بمنع الأعمال الحزبية والسياسية داخل الجامعات". ومع ذلك، فقد سمح المجلس لحملة "علشان تبنيها"، وهي حملة تأييد تطالب السيسي بالترشح لفترة أخرى، بالدخول للجامعات والحصول على تواقيع هيئات التدريس والطلبة. السماح لحملة تأييد السيسي هو جزء من نمط مكرر في مصر تمنع فيه الحكومة النشاط "السياسي والحزبي" لأي حزب أو جماعة معارضة وتسمح به فقط وتؤيده لأي مجموعة داعمة للنظام المصري. 

خارج الجامعات والنوادي الرياضية لم يبقَ للشباب إلا الأماكن العامة أو وسائل التواصل الحديث للتعبير عن آرائهم، ولكن النظام المصري أبى أن يترك أي من المساحتين للشباب للتعبير عن رأيهم. فقانون التظاهر المصري (قانون 107 لسنة 2013) وطبقاً للمادة الثالثة منه، يمنع المصريين عامة بمن فيهم الشباب، من أن يتظاهر عشرة منهم أو أكثر في مكان عام للتعبير عن موقف سياسي دونما الحصول على موافقة مسبقة من وزارة الداخلية قبل ثلاثة أيام على الأقل. وبالرغم من أن القانون ينص تحديداً على منع المجموعات المؤلّفة من عشرة أفراد أو أكثر من التظاهر، إلا أن الأمن المصري ألقى القبض في حزيران/يونيو 2016 على فتاة تتظاهر وحيدة في بور سعيد رافعة شعار "تيران وصنافير مصرية" احتجاجاً على الاتفاق الذي نقلت بموجبه الحكومة المصرية جزيرتَي تيران وصنافير إلى الدولة السعودية.

على صعيد آخر، وسّع النظام المصري ترسانة القمع لتطال وسائل التواصل الاجتماعي. فقد عرّف النظام المصري الأعمال الإرهابية في قانون الكيانات الإرهابية (قانون 8 لسنة 2015) بأي عمل "يخل بالنظام العام". كما اعتبر قانون مكافحة الإرهاب (قانون 94 لسنة 2015) أن الأعمال الإرهابية هي أي عمل يقوم بشكل مباشر أو غير مباشر بالترويج للإرهاب من خلال الكتابة أو الكلام، وقد استخدم النظام المصري هذين القانونين لسجن العديد من الشباب بعدما قاموا بانتقاد سياسات النظام المصري على مواقع التواصل الاجتماعي. وتبرز في هذا الإطار حالة أندرو نصيف، أول مسيحي يُسجَن بتهمة الإرهاب في مصر، بعد قيامه بكتابة عدد من التعليقات على حسابه على فيسبوك ينتقد فيها السياسات الاقتصادية للنظام المصري، ويُطالب بمساحات أكبر من الحريات السياسية.

إن كان هناك درس يمكن أن نتعلمه من ثلاثين عاماً من التضييق تحت حكم مبارك، فهو أن منع الشباب من التعبير الصحي والمرئي لأفكارهم لن يفيد إلا الجماعات المتمرسة في العمل السري، بالأخص تلك التي لديها ميل للعنف والتطرف. لقد أشارت تقارير مختلفة إلى أن الكثير من الشباب المصري أصبح أكثر ميلًا نحو التطرف – منذ إقرار قانون التظاهر عام 2015 – داخل السجون وخارجها بسبب المساحات الضئيلة للتعبير السلمي. في نهاية المطاف، فإن الوعود الكاذبة والحملات الدعائية مثل منتدى شباب العالم، التي تحاول أن تخبر العالم بأن الشباب المصري يتم تشجيعهم والسماح لهم بالتعبير عن آرائهم، هي وعود كاذبة ومضللة وتزيد من إقصاء الشباب المصريين.

محمود فاروق معاون في مجال البرامج في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط (POMED). لمتابعته عبر تويتر: MahmoudFarouk06@

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.