المصدر: Getty
مقال

قراءة في الاحتجاجات الإيرانية

ينظر أربعة خبراء في أسباب الاحتجاجات في إيران، وما يمكن أن يترتّب عنها من تداعيات على تطلعات إيران الإقليمية، وخصوماتها السياسية في الداخل، ومستقبل حقوق الإنسان.

 نقاش صدى
نشرت في ٨ يناير ٢٠١٨

شهدت إيران، خلال الأسبوعَين المنصرمين، الاحتجاجات الجماهيرية الأكبر في البلاد منذ الحركة الخضراء في العام 2009. اللافت هو أن هذه الاحتجاجات انطلقت على ما يبدو بصورة عفوية ومن دون أن تتولّى أية مجموعة محدّدة تنظيمها، ما يعكس مجموعة من المظالم الشعبية، لا سيما على ضوء الوضع الاقتصادي والفساد المستشري في أوساط النخبة السياسية.

ينظر أربعة خبراء في أسباب الاحتجاجات، وما يمكن أن يترتّب عنها من تداعيات على تطلعات إيران الإقليمية، وخصوماتها السياسية في الداخل، ومستقبل حقوق الإنسان.

الدوافع الاقتصادية والاجتماعية وراء الاحتجاجات

تامر بدوي

تامر بدوي، زميل أبحاث في منتدى الشرق الذي يتخذ من اسطنبول مقراً له. لمتابعته عبر تويتر: TamerBadawi1@

كان للتغييرات الاقتصادية والاجتماعية، النابعة في شكل أساسي من السياسات الاقتصادية للرئيس حسن روحاني منذ تسلّمه منصبه، التأثير الأكبر (من جملة عوامل أخرى) في إشعال شرارة الاحتجاجات الأخيرة في إيران ورسم معالمها. انطلقت الاحتجاجات في 28 كانون الأول/ديسمبر الماضي في مدينة مشهد، التي تشكّل معقلاً للمبدئيين المحافظين في شمال شرق البلاد، بعدما قدّم الرئيس روحاني مشروع الموازنة للسنة المالية 2018-2019 في العاشر من كانون الأول/ديسمبر. اللافت هو أن الموازنة المقترَحة تتضمن خطة لزيادة أسعار المحروقات بنسبة خمسين في المئة. يتم راهناً توزيع المساعدات النقدية على نحو 75 مليون إيراني، غير أن الحكومة تنوي شطب 35 مليون متلقٍّ من قائمة المستفيدين العام المقبل. حذّر تقرير صادر عن مركز الأبحاث الإسلامي في مجلس الشورى من أن الصدمة الاقتصادية التي يمكن أن يتسبّب بها خفض الدعم الحكومي للمحروقات، قد تؤدّي إلى القضاء على 360000 إلى 480000 وظيفة، في حين يتوقّع أحد المحللين الاقتصاديين الإيرانيين أن يتسبّب ذلك بخسارة 800000 وظيفة. في نيسان/أبريل 2017، قطع مرشّح المحافظين للرئاسة، ابراهيم رئيسي، وعداً بزيادة المساعدات النقدية ثلاثة أضعاف. ربما أثار قرار الحكومة شطب عدد من الأشخاص من قائمة المستفيدين من المساعدات النقدية، وذلك على النقيض من الوعود التي أطلقها رئيسي، صدمةً وهيّأ الساحة أمام نزول المواطنين المحافظين المستائين إلى الشارع في مدينة مشهد احتجاجاً على سياسات روحاني الاقتصادية والتضخّم الآخذ تدريجاً في الارتفاع.

يتكهّن بعض المحلّلين أن السواد الأعظم من المحتجّين ينتمي إلى الطبقة الوسطى الدنيا أو إلى خلفيات فقيرة. على الرغم من إبرام الاتفاق النووي في العام 2015 وما أعقبه من رفع للعقوبات، لم تشهد نوعية الحياة في إيران الكثير من التحسّن، لا بل تدهورت في نواحٍ عدّة، وذلك على الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة لكبح التضخّم الذي يسجّل مستويات مرتفعة جداً. لقد ارتفع معامل جيني، وهو مؤشّر لقياس عدم المساواة، من 0.35 في العام الفارسي 1392 (21 آذار/مارس 2013-20 آذار/مارس 2014)، أي السنة الأولى من عهد روحاني، إلى 0.37 في العام الفارسي 1395 (20 آذار/مارس 2016-20 آذار/مارس 2017)، أي السنة المالية الأخيرة، ما يُظهر تفاقم عدم المساواة في البلاد. تشير إحصاءات المصرف المركزي الإيراني إلى أن النمو الحقيقي في الرواتب بلغ 2.3 في المئة في السنة الفارسية 1395، وهو رقم أعلى من نسبة الـ1.2 في المئة التي تحقّقت في العام السابق. غير أن هذه الزيادة لم تساهم في تعزيز القدرة الشرائية للأسر. فقد ازداد متوسط العجز في الموازنة الأسرية بمعدّل نحو 19 في المئة في العام 1395 بالمقارنة مع العام السابق. على صعيد الوزن (بالكيلوغرام)، تراجع متوسط الاستهلاك الأسري للمأكولات والمشروبات والتبغ بنسبة نحو ستة في المئة في العام 1395 بالمقارنة مع العام 1392، أي السنة الأولى من عهد روحاني.

سرعان ما انتشرت الاحتجاجات إلى طهران وسواها من المحافظات الكبرى، لكن اللافت هو أنها اندلعت أيضاً على نطاق واسع في المحافظات الشمالية الغربية الهشّة اقتصادياً التي تقطنها أعداد كبيرة من الأقليات الإثنية. في حين أن محافظة خراسان رضوي، حيث تقع مشهد، صوّتت لصالح رئيسي في الانتخابات الرئاسية، كانت المحافظات الكردية مثلاً بين المحافظات التي تصدّرت قائمة المناطق التي صوّتت لروحاني.

في تشرين الثاني/نوفمبر، تعرّضت محافظة كارمانشاه لزلزال مدمّر أسفر عن مقتل نحو 400 شخص وإصابة نحو سبعة آلاف آخرين بجروح، وسدّد ضربة قاضية للاقتصاد المحلي المتعثّر أصلاً في أدائه. تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن البطالة في كارمانشاه سجّلت، في السنة المالية 1395 (20 آذار/مارس 2016-20 آذار/مارس 2017)، المستوى الأعلى في البلاد مع 22 في المئة، وحلّت محافظة كردستان في المرتبة الثالثة مع بلوغ نسبة البطالة فيها 15.2 في المئة – بالمقارنة مع 12.4 في المئة على مستوى البلاد. كذلك تعاني هاتان المنطقتان والمحافظات المجاورة لهما، التي شهدت أيضاً عدداً كبيراً من التظاهرات، من معدّلات البطالة الأعلى في البلاد في صفوف الشباب المنتمين إلى الشريحة العمرية 15-29 عاماً. في حين بلغت نسبة البطالة لدى هذه الفئة من الأشخاص 25.9 في المئة في العام 1395، يصل معدل بطالة الشباب في كارمانشاه وكردستان إلى 38.9 و33.4 في المئة على التوالي. وقد كانت للنقص الحاد في المياه في الأعوام القليلة الماضية في المحافظات الغربية الشمالية، تداعيات كارثية على الزراعة، وربما كان أحد الأسباب الأساسية خلف ارتفاع معدّلات البطالة. بحسب الإحصاءات الرسمية، تراجع متوسّط النمو في الدخل الأسري الخاص الذي يتم كسبه من القطاع الزراعي، من 50.5 في المئة في العام 1392 (21 آذار/مارس 2013-20 آذار/مارس 2014)، إلى 4.2 في المئة في العام 1395.

يُعتبَر عدم المساواة الاقتصادية بين المناطق في إيران من الأسباب الأساسية خلف الطابع الجغرافي لحدّة التظاهرات وانتشارها، بيد أن المحفّزات المباشرة للاحتجاجات تبقى مرتبطة على الأرجح بالديناميات السياسية والأمنية في البلاد وداخل كل واحدة من المحافظات. مع تقدّم الإيرانيين في السن – وبالتالي زيادة الاهتمام بالشؤون الاقتصادية – ستكتسب اللامساواة بين المناطق مزيداً من الأهمية في فهم التعبئة الاجتماعية في إيران.

كيف تفوّقت إيران على نفسها في إسكات النشطاء

تارا سبهري فار

تارا سبهري فار، باحثة إيرانية في منظمة هيومن رايتس ووتش. لمتابعتها عبر تويتر: sepehrifar@

عندما اندلعت الاحتجاجات في مشهد في 28 كانون الأول/ديسمبر وانتشرت سريعاً إلى عشرات المدن الأخرى في مختلف أنحاء إيران، قلّة قليلة فقط بدت قادرة على تحديد هوية المحتجّين الفعلية، وما هي بالضبط المظالم التي دفعت بهم إلى النزول إلى الشارع. حتى في المجموعات الإلكترونية عبر موقع "تلغرام"، والتي تضم مئات النشطاء السياسيين والاجتماعيين داخل البلاد وخارجها، قلّة فقط استطاعت أن تقدّم رواية مباشرة حول ما يجري.

لكن عند الربط بين مقاطع الفيديو وروايات الشهود العيان لتوثيق الانتهاكات الحكومية المحتملة، يتّضح أنه بغض النظر عن الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات، يعبّر المحتجّون عن مجموعة واسعة من المظالم السياسية والاجتماعية والاقتصادية المستمرة منذ وقت طويل. تدفع هذه المخاوف بعشرات آلاف الإيرانيين الذين لم تكن لديهم في السابق أية انتماءات سياسية أو انتماءات إلى مجموعات ناشطة، إلى التعبير عن امتعاضهم الشديد، والمطالبة بإعارتهم آذاناً صاغية في الحال.

قد يكون هناك سببٌ وراء عدم وجود قادة معروفي الهوية أو مجموعات معروفة الهوية وراء هذه الاحتجاجات. فمنذ التظاهرات الطالبية في العام 1999، سعت الأجهزة الأمنية في إيران إلى إسكات أي تعبئة وحِراك منظّمَين. في الحال، يصبح الطلاب، والمدافعون عن حقوق الإنسان، وأنصار حقوق المرأة، وقادة العمّال، والنشطاء الذين يرفعون لواء حقوق الأقليات الإثنية، مستهدَفين، ويسيرون في حقل ألغام من القيود القانونية والخارجة عن نطاق القانون التي تُفرَض على حقّهم في حرية التعبير والتجمّع.

في العام 2009، ذهبت القوى الأمنية إلى حد توقيف أشخاص ينتمون إلى أحزاب سياسية قانونية. غادر مئات الناشطين البلاد، وأمضى العشرات عقوبات قاسية بالسجن. وقد استأنف الصحافيون والنشطاء جهودهم من أجل إعادة بناء المجتمع المدني، لكنهم واجهوا من جديد المعوّقات نفسها. قررت نرجس محمدي، نائبة رئيس مركز المدافعين عن حقوق الإنسان المحظور، البقاء في إيران فيما غادرت أسرتها البلاد، وذلك لأنها أرادت أن تواصل نضالها، بما في ذلك النضال ضد العدد الهائل لأحكام الإعدام في إيران. تمضي راهناً عقوبة بالسجن لمدة عشرة أعوام. أما رضا شهابي، الناشط البارز في مجال الدفاع عن حقوق العمّال، فقد زُجّ في السجن بـ"تهمة" محاولة إنشاء نقابات عمّالية مستقلّة. حتى الأشخاص الذين يكتفون فقط بتسليط الضوء على الفساد المستشري، يدفعون الثمن. يخضع الصحافي ياشار سلطاني الذي فضح الممارسات المالية السيئة للمسؤولين في بلدية طهران، للمحاكمة بسبب جهوده.

نظراً إلى القبضة الخانقة التي يمارسها النظام القمعي الإيراني على المجتمع المدني المنظَّم، درجت السلطات الإيرانية على إلغاء اجتماعات مقرّرة، ورفض طلبات تتقدّم بها مجموعات مستقلّة من أجل تنظيم تجمّعات سلمية في مناسبات معيّنة، على غرار عيد العمّال أو يوم الطالب الوطني. يقول عدد كبير من النشطاء السياسيين إن السعي إلى الحصول على ترخيص لتنظيم تجمّع سلمي ليس خياراً عملياً في إيران.

تعتبر إيران في شكل أساسي أن الحِراك السلمي هو "تهديد للأمن القومي"، ويجري التعامل مع الأشخاص الذين يحذّرون من استفحال المظالم الشعبية وتفشّي الفساد، على أنهم مثيرون للقلاقل والفتنة. في غياب صمّام الأمان الذي يوفّره المجتمع المدني والحِراك السياسي، ليس مفاجئاً أن تنزل حشود كبيرة إلى الشارع تعبيراً عن إحباطها وغضبها.

هل ستُدرك السلطات، على ضوء هذه الأحداث، أن الحق في تكوين الجمعيات وفي التجمّع السلمي أمرٌ صحّي وضروري من أجل حسن سير المجتمع؟ كان أسلوب النظام في التعاطي مخيِّباً للآمال حتى تاريخه – فقد لجأ إلى الاتهامات المعهودة عن وجود مؤامرة خارجية تستهدف البلاد، وعمد فوراً إلى اعتقال طلاب ناشطين معروفين، أي الأشخاص الذين هم في الموقع الأفضل للتعبير عن المطالب عن طريق قنوات سلمية منظَّمة.

مشهد تؤنِّب روحاني

محمد على شعباني

محمد على شعباني، طالب دكتوراه في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن، ورئيس تحرير نبض إيران في موقع المونيتور. لمتابعته عبر تويتر: mashabani@

إنه أمرٌ لافت أن الاحتجاجات الأخيرة بدأت في مدينة مشهد التي تقع بعيداً من طهران، وتضم مرقد الإمام علي الرضا، الإمام الشيعي الثامن، الذي يستقطب ملايين الحجّاج سنوياً. تملك مؤسسة "آستان قدس رضوي" الخيرية التي تتولّى إدارة المقام، ثروة طائلة؛ فهي تسيطر على أكثر من نصف الأراضي في البلدة، وتحوّلت على مر السنين إلى تكتّل نافذ يوظّف آلاف الأشخاص.

مشهد هي أيضاً مقر أحمد علم الهدى الذي اختاره المرشد الأعلى بنفسه لترؤس صلوات الجمعة في المدينة. عندما توفّي سادن مرقد الإمام الرضا في آذار/مارس 2016 بعد تولّيه المنصب لفترة طويلة، انتهز المعسكر المحافظ – الذي كان لا يزال في مرحلة البحث عن الذات قبل عام واحد فقط من ترشّح روحاني الذي كان متوقَّعاً لولاية ثانية – الفرصة لتعيين ابراهيم رئيسي، الإمام المحافظ الذي لم يكن معروفاً من الناس والذي يصادف أنه صهر علم الهدى، سادناً لمرقد الإمام الرضا. وقد حظي رئيسي بتغطية واسعة من وسائل الإعلام المحافظة، فذاع صيته فجأةً. وبعد عامٍ واحد، تمكّن رئيسي، الذي نجح في استمالة محمدباقر قاليباف، المولود أيضاً في مشهد والذي يتولى رئاسة بلدية طهران منذ فترة طويلة، من أن يطرح نفسه منافساً جدّياً لحسن روحاني. وعلى الرغم من خسارته للانتخابات، حصل على ما يُقارب الـ16 مليون صوت، الأمر الذي يُعتبَر إنجازاً حقيقياً نظراً إلى الانقسامات العميقة في أوساط المحافظين.

أراد روحاني، مع انطلاقة ولايته الثانية، قطع الطريق تماماً أمام خصومه. وتحدّث من دون مواربة في الكلمة التي ألقاها أمام مجلس الشورى عن مشروع موازنة العام المقبل. لقد تكلّم صراحةً وبلهجة مفعمة بالحيوية عن مراكز نفوذ غير خاضعة للمساءلة، منتقِداً بشدّة إحكامها قبضتها على كل شيء بدءاً من العقارات وصولاً إلى سوق العملات الأجنبية. يبدو أن خطابه هذا كان القشّة التي قصمت ظهر البعير (بالنسبة إلى المحافظين).

مع امتناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن المصادقة على التزام إيران بالاتفاق النووي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وتلويحه برفض إصدار إعفاءات من العقوبات، يُقال إن ثنائي مشهد وبعض حلفائه المحافظين اعتبروا أن الفرصة سانحة أمامهم. على الرغم من عدم وجود أدلّة ملموسة، يبدو أن الجميع في طهران "يعلمون" أن علم الهدى وصهره وبعض شركائهما تآمروا لإضعاف روحاني وإحراجه عبر التحريض على الاحتجاجات التي كان من المقرر أن تبلغ ذروتها في يوم 30 كانون الأول/ديسمبر، الذي يصادف الذكرى الرسمية لـ"هزيمة" الحركة الخضراء في العام 2009.

لقد تحوّلت الاحتجاجات التي اندلعت بدايةً في مشهد في 28 كانون الأول/ديسمبر، إلى اضطرابات في مختلف أنحاء البلاد. وتحدّثت التقارير عن اعتقال أكثر من ألف متظاهر؛ كما لقي نحو 24 شخصاً مصرعهم. لكن يبدو أنها مسألة وقت فقط قبل أن يتم القضاء تماماً على الاحتجاجات التي لا قيادة لها على ما يبدو. تُخلّف التظاهرات الأخيرة تساؤلات كثيرة وراءها. إنما ثمة أمرٌ واضح: يقف روحاني عند مفترق طرق. لقد مارست إدارته ضغوطاً شديدة من أجل الحد من العنف، لجملة أسباب منها السعي إلى إبعاد الضغوط الأجنبية التي يبدو أن أعداءه في الداخل يسعون بشدّة خلفها. أمامه الآن فرصة فريدة لقلب الطاولة على خصومه، وتحويل الإحراج إلى أداة لانتزاع مزيد من التنازلات من المرشد الأعلى، مثل الحصول على تفويض أكبر من أجل التصدّي للمؤسسات غير الخاضعة للمساءلة. في حال باء بالفشل، قد لا يُفوّت فقط فرصة تقويض هذه المؤسسات النافذة، التي تتسبّب بظهور مظالم وشكاوى لدى الإيرانيين لكنها لا تتحمّل شيئاً من المسؤولية، إنما سيخسر أيضاً أي مكسب سياسي حقّقه من التهجّم عليها.

التشكيك في تطلعات إيران الإقليمية

هولي داغريس

هولي داغريس، محلّلة أميركية-إيرانية لشؤون الشرق الأوسط وقيّمة على الرسالة الإخبارية The Iranist. لمتابعتها عبر تويتر: HDagres@

"لا غزة، لا لبنان، أرواحنا من أجل إيران"، "دعكم من سورية، فكّروا بنا"، هذه بعض الهتافات التي سُمِعت في مقاطع الفيديو التي صُوِّرت خلال الاحتجاجات التي شهدتها إيران الأسبوع الماضي، والتي جرى تداولها على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لم تعبّر الاحتجاجات فقط عن الغضب والإحباط اللذين يشعر بهما الإيرانيون بسبب الوضع الاقتصادي في البلاد، والفساد، والنظام الثيوقراطي، بل لفتت الانتباه أيضاً إلى الأكلاف البشرية والمادّية التي تتكبّدها إيران جراء دعمها لنظام بشار الأسد في سورية، والميليشيات الشيعية في العراق، وحزب الله في لبنان، والفصائل المسلّحة في قطاع غزة، فضلاً عن روابطها المحدودة مع المتمرّدين الحوثيين في اليمن. سبق أن ظهرت مشاعر مماثلة من حين لآخر – ففي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، انتشر مقطع فيديو لسيدة في طهران تعبّر عن معارضتها لقيام المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بإنفاق الأموال في الخارج في حين أنه ثمة حاجة إليها في الداخل – إلا أنها لم تصل على الإطلاق إلى المستوى الذي بلغته الأسبوع الماضي. 

على الرغم من أن الاحتجاجات الإيرانية تتصدّر الأخبار الدولية، إلا أن هذه الشعارات لا تعكس بالضرورة مشاعر المجتمع الإيراني ككل. وفقاً لاستطلاع أجراه مركز الدراسات الدولية والأمنية في مريلاند (CISSM) في تموز/يوليو الماضي، يعتبر 18 في المئة فقط من الإيرانيين أنه على إيران أن تتوقّف عن مساعدة مجموعات وأطراف على غرار حزب الله ونظام الأسد. ويرى 31 في المئة فقط من المستطلَعين أنه لا يجدر بإيران إرسال عسكريين إلى سورية لمساعدة الأسد في القتال ضد الثوّار السوريين وتنظيمات على غرار الدولة الإسلامية.

منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في العام 2011، أنفقت إيران المليارات على التمويل والسلاح والعديد البشري لتعزيز نظام الأسد. وقد تكبّدت خسائر جراء تدخلها في سورية: لقي أكثر من 2100 مقاتل إيراني ومدعوم من إيران مصرعهم، ونصف هؤلاء المقاتلين هم "متطوّعون" من أفغانستان وباكستان. كذلك قُتِل العديد من الجنرالات ذوي المراتب العليا في الحرس الثوري الإسلامي، وفي أيلول/سبتمبر، شارك آلاف الإيرانيين في تشييع محسن حججي، الجندي في الحرس الثوري الذي قُتِل ذبحاً على يد تنظيم الدولة الإسلامية. لكن طهران تحتفظ، من خلال دعمها للأسد، بحليف قوي في دمشق كما  تُبقي على سيطرتها على طرقات التهريب باتجاه لبنان.

أتاح صعود الدولة الإسلامية في العراق وسورية فرصةً للنظام الإيراني من أجل زيادة تأثيره في هذَين البلدَين. كان الاعتقاد، أو أقلّه الرسالة الموجَّهة من المسؤولين الإيرانيين، أنهم إذا لم يقاتلوا المتطرّفين السنّة في الخارج، فسوف يُضطرّون في نهاية المطاف إلى محاربتهم في الداخل. وقد تجلّى ذلك، في ناحية من النواحي، في حزيران/يونيو 2017، عندما تسبّب تنظيم الدولة الإسلامية بمقتل 12 شخصاً على الأقل وإصابة 46 شخصاً بجروح في هجوم على صرحَين أساسيين ورمزيين في طهران، هما مقر مجلس الشورى، ومتحف آية الله روح الله الخميني، مؤسّس الجمهورية الإسلامية.

بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية، وخسارة الثوّار السوريين مزيداً من الأراضي، بدأ بعض الإيرانيين يتساءلون حول ما سيحصلون عليه مقابل علاقات الصداقة الراسخة التي تقيمها بلادهم مع أفرقاء في المنطقة – لا سيما على ضوء صعود الكتلة السنّية بقيادة السعودية وبتشجيع من ترامب. بيد أن هذه المخاوف تبقى ثانوية بالنسبة إلى معظم الإيرانيين. فحتى مع انحسار الاحتجاجات ونجاح الحكومة في حملة القمع التي تشنّها، تستمر المظالم الأساسية التي يشتكون منها، ألا وهي التضخم والبطالة والفساد.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.