شكّلت مخيمات اللاجئين الرسمية في الأردن، حيث يعيش نحو 20 في المئة من اللاجئين السوريين المسجّلين في البلاد، وعددهم 671000، أرضيات اختبارية لنماذج ضبط الأمن منذ العام 2012. 1 في حين تتولى المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة والهلال الأحمر الإماراتي إدارة المخيمات، لطالما كان الإشراف على الأمن من مسؤولية مديرية شؤون اللاجئين السوريين التابعة لمديرية الأمن العام في الأردن. يتوزّع عناصر الدرك عند أطراف المخيمات، أما داخل الأبواب الرئيسة، فتضم مراكز الشرطة ممثلين عن التحقيقات الجنائية، وحماية الأسرة، وشرطة الأحداث. تُحال المسائل الجنائية إلى مراكز الشرطة في المفرق والزرقاء، بيد أن الخلافات يبتّ فيها أصحاب الشأن المختلفون المسؤولون عن أمن المخيمات.
عندما افتُتِح مخيم الزعتري للاجئين في العام 2012، كان تفاعل الشرطة مع السكان يقتصر على الحدّ الأدنى. كان عناصر الشرطة والدرك يتعاملون مع أعمال الشغب، إنما لا يتدخلون في الشؤون اليومية للمخيم، ونادراً ما كانوا يقومون بدوريات في الشوارع. في المناطق السكنية في المخيم، التي يتطابق توزيعها تقريباً مع المناطق التي يتحدّر منها اللاجئون في سورية، ظهرت مجموعة من قادة الشوارع، لا سيما عن طريق التعيين الذاتي: وقد أصبحوا نقاط اتصال أساسية لوكالات المساعدات والشرطة على السواء.
في أواخر العام 2013، موّلت السفارة الأميركية مشروعاً نموذجياً لإفساح المجال أمام اللاجئين في المخيمات من أجل الحفاظ على أمنهم الخاص. كان الهدف من "برنامج مراقبة الأحياء" في الزعتري تجنيد 600 سوري والتدقيق في سجلاتهم وتدريبهم لضبط الأمن في أحيائهم بالتنسيق مع الشرطة الأردنية. على الرغم من دفعة التدريبات الأولى، سرعان ما وُضِع البرنامج على الرف مع ظهور احتمالات الفساد والأمن الذاتي إلى العلن، وتعبير السوريين عن عدائهم لزملائهم اللاجئين الذين يعملون بمثابة "جواسيس" لدى مديرية الأمن العام.
في موازاة المشروع الأميركي، تبلورَ برنامج نموذجي مدعوم من المملكة المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 2013. فقد جرى التعاقد مع الشركة البريطانية SIREN Associates لتدريب دفعة من عناصر الشرطة الأردنية للعمل كشرطة مجتمعية. وقد درّبت الشركة، التي تبنّت مبادئ الانقشاع والتواصل والوصول، مجموعة نموذجية من اثنَي عشر شرطياً للاهتمام بهواجس أبناء المخيم مع إجراء دوريات في شوارع الزعتري. على الرغم من المخاوف الأولية التي راودت المجنّدين من تعرّضهم للهجوم على أيدي السكان الغاضبين، إلا أن المقاربة الكتومة التي اعتمدها البرنامج مقرونةً باستعداد الشرطة المجتمعية للعمل مع زعماء الشوارع، والأئمة، ووكالات المساعدات، أكسبتهم تدريجاً مزيداً من التأييد.2 وفي حين أن موظفي المنظمات غير الحكومية كانوا يغادرون عموماً المخيم بعد الساعة الرابعة عصراً، كانت الشرطة المجتمعية حاضرة على الدوام.
أصبحت الشرطة المجتمعية مورداً لحل مجموعة متنوّعة من المشكلات بدءاً من الطوارئ الطبية مروراً بمسائل المياه والصرف الصحي وصولاً إلى الخلافات العائلية وفي الأحياء. روت شرطية أردنية سابقة في الشرطة المجتمعية كيف ساهمت في تأمين وظائف للعديد من الأرامل في وكالات الغوث في إطار مبادرة المال مقابل العمل. قال مدرّب في شركة SIREN: "يقوم ضبط الأمن التقليدي على الإجراءات، أما ضبط الأمن المجتمعي فيقوم على العلاقات".3 في المجموع، جرى تدريب 90 شرطياً مجتمعياً للعمل في مخيمَي الزعتري والأزرق اللذين أنشئا في العام 2014.
في العام 2015، موّلت المملكة المتحدة مبادرة أخرى مستندة إلى المخيمات لتجنيد شرطيين أردنيين سابقين بصفة معاونين في الشرطة المجتمعية. تَقدّمَ أكثر من 800 شرطي متقاعد لشغل 44 وظيفة شاغرة في البداية، وقد درّب البرنامج، في نهاية المطاف، 83 معاوِناً في الشرطة المجتمعية. وقد جلبَ الضباط المتقاعدون معهم خبرات واسعة من أقسام أخرى في مديرية الأمن العام، ومعظمهم خدموا سابقاً في الشرطة السياحية أو شرطة السير و/أو في إدارة حماية الأسرة، و/أو في بعثات الأمم المتحدة في الخارج. ساهم توظيف معاونين في الشرطة المجتمعية في إيجاد حلول للنقص في العديد البشري في الشرطة، إنما لم يكن هذا التدبير موضع قبول من الجميع. فقد انتقد شرطي متقاعد في مديرية الأمن العام توظيف شرطيين متقاعدين للعمل حرّاساً، وفق قوله. أضاف، مشدّداً على أهمية السيطرة السيادية الأردنية على الأمن في مختلف أنحاء المملكة، أن توظيف المتقاعدين هو بمثابة خصخصة للقطاع الأمني.4
انتهى مشروع توظيف معاونين في الشرطة في أواخر العام 2016، لكن المبادرة البريطانية اعتُبِرت ناجحة في شكل عام. غادرت شركة SIREN المخيمات في أواخر العام 2017، تاركةً لمديرية شؤون اللاجئين السوريين مهمة تسيير الأمور بمفردها. منذ ذلك الوقت، حوّل المدرِّبون البريطانيون أنظارهم نحو ضبط الأمن في المجتمعات المضيفة شمال الأردن، بهدف نشر المبادئ نفسها عن الأمن الميسَّر في مراكز الشرطة المحلية التابعة لمديرية الأمن العام. وهم يواجهون تحديات هائلة في هذا الإطار.
لقد سلّط اللواء فاضل الحمود، مدير الأمن العام راهناً ورئيس إدارة حماية الأسرة سابقاً، الضوء على الأمن المجتمعي معتبراً أنه أولوية من أولويات مديرية الأمن العام، ويستلهم المدرّبون في الشرطة من النموذج الذي طُوِّر في المخيمات لتحسين انخراط الشرطة مع الجمهور العام. بيد أن التشنجات شديدة في المجتمعات المدينية حيث يتنافس اللاجئون والسكان المحليون على الوظائف والتعليم والموارد، ويحرص معظم اللاجئين في المدن على تجنُّب الشرطة حيثما أمكن. بإمكان مديرية الأمن العام المساعدة على تغيير واقع الأمور، إنما فقط عبر تطوير نفسها.5
داخل المخيمات، حيث الجرائم الخطيرة نادرة، تجد الشرطة سهولة أكبر في الحصول على ثقة اللاجئين بالمقارنة مع السياق المديني. ففي محافظات عمان والمفرق وإربد والزرقاء شمال البلاد، حيث يتركّز أكثر من 85 في المئة من اللاجئين السوريين، قدرة الشرطة على أداء دور الوسيط في النزاعات بين اللاجئين يُقوِّضها دورها في مجال إنفاذ القوانين. على الأرجح أن أكثرية اللاجئين غير منضوين في إطار القانون، إما لأنهم لم يتسجّلوا لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين والشرطة المحلية، أو لأنهم لم يتسجّلوا في المنطقة الصحيحة، أو يعملون من دون أذون عمل، أو يرسلون أولادهم للتسوّل بدلاً من إرسالهم إلى المدارس.
هذه المخالفات للقوانين تجعل اللاجئين عرضة للاستغلال غير القانوني وسوء المعاملة. لقد ساهم قرارٌ بالعفو أصدرته الحكومة في آذار/مارس 2018 وأجاز لنحو 30000 لاجئ غير مسجّل في المدن بالتسجل من دون التعرض لعقوبات، في الحد من الخوف من السلطات، وهذا ما ساهمت به أيضاً زيادة أذون العمل الممنوحة للسوريين.6 لكن غالباً ما تكون المخاوف من إقدام الشرطة على نقل اللاجئين "غير الشرعيين" أو ترحيلهم عنوةً، مبرّرة، وتشير الاستطلاعات إلى أن قلة تشعر بالثقة الكافية لطلب الحماية من الشرطة. فمعظمهم يلجأون إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين والوكالات الشريكة لها من أجل الحصول على المساعدة. على سبيل المثال، نادراً ما تُحال قضايا العنف المنزلي السائدة في مجتمع اللاجئين، إلى إدارة حماية الأسرة التابعة لمديرية الأمن العام، حيث يُفترَض أن تتم معالجة هذه القضايا. ومن النادر أن ترفع الضحايا دعاوى قانونية ضد المعتدين، ويتّجهن أكثر نحو المنظمات النسائية غير الحكومية للحصول على المشورة والدعم.
تُدرك منظمات غير حكومية عدة في شمال الأردن محدوديات القنوات الرسمية لتسوية النزاعات، ولذلك تركّز على إشراك الأفرقاء الأردنيين والسوريين على السواء من أجل الحد من التشنجات المجتمعية. على سبيل المثال، يَجمع برنامجٌ أطلقته منظمة "ميرسي كوربس" بين التمويل لمشاريع البنى التحتية المحلية وتدريب القادة المجتمعيين على تسوية النزاعات استناداً إلى المصالح، ويشمل هؤلاء القادة أعضاء في المجالس البلدية ومشايخ عشائريين إنما أيضاً ربات منازل ونشطاء شباباً. وقد أشار المشاركون في مجموعات التركيز في بلدة المفرق، وبينهم مَن يتولون مناصب رسمية، إلى أن التوجّه إلى الشرطة يُعتبَر الملاذ الأخير الذي من شأنه أن يتسبب حكماً بتضخيم المشكلة.
تمتّعَ الأردن، طوال سنوات، بمعدلات جرائم منخفضة، بفضل "الإجراءات الوقائية الهادفة إلى الحد من الجريمة وتأمين التعليم وأنشطة بديلة للمراهقين". أما الآن، على ضوء الضغوط الاقتصادية الناجمة عن أعداد السكان الآخذة سريعاً في التزايد، فضلاً عن التغييرات في القانون الجزائي والتنوّع الاجتماعي المتزايد، يتخذ الإجرام منحى تصاعدياً، على الرغم من أن غياب النقص في الإبلاغ يجعل من الصعب تحديد الحجم الحقيقي لهذه الزيادة.
في هذا السياق، بات تعزيز الانخراط المجتمعي أشد صعوبة، إنما أكثر أساسية من أي وقت مضى بالنسبة إلى الشرطة. يعمد مدرِّبون من الشرطة البريطانية راهناً، بتمويل بريطاني وهولندي، إلى تدريب أعضاء إدارة الأمن المجتمعي في مديرية الأمن العام من خلال مقررات عن الوعي الثقافي، والإدراك الجندري، وإدارة الاجتماعات المجتمعية، ونزع فتيل النزاع. غير أن مفهوم الشرطة كخدمة موجَّهة نحو المدنيين لا يزال جديداً. إشارة في هذا الصدد إلى أن الشرطة ظلت ملحقة بالجيش حتى العام 1956، وتبعات هذا الأمر واضحة للعيان. فمنظومة الرتب في الشرطة منسوخة عن منظومة الجيش، وغالبية قادة قطوعات الشرطة في مديرية الأمن العام هم من عناصر الجيش. كما أن التبديل السريع في مواقع كبار الضباط يجعل الحصول على الدعم التراتبي للمبادرات الجديدة مهمة عسيرة. فضلاً عن ذلك، ووفق ما يُقرّ به العديد من المسؤولين السابقين في مديرية الأمن العام، لا تتمتع المديرية بالخبرة اللازمة للتعاون مع المنظمات الأخرى التي تتقاطع خدماتها معها.
في المقابل، اعتادت الشرطة العمل مع شخصيات عشائرية لنزع فتيل التشنجات. تتحدر الغالبية الكبرى من عناصر الشرطة، كما الجيش، من خلفيات "عشائرية" في الضفة الشرقية، مع الإشارة إلى أن قلة من الأردنيين الفلسطينيين يصلون إلى مراتب عليا في مديرية الأمن العام على الرغم من أنهم يشكّلون 65 في المئة من المواطنين الأردنيين. لقد تآلف العاملون في مراكز الشرطة المحلية مع الآليات العشائرية لتسوية النزاعات، ما أدّى إلى مأسسة جزئية لهذه الآليات، مثلاً من خلال حضور عناصر الشرطة لعمليات إبرام الهدنات العشائرية. يتحدر الجزء الأكبر من اللاجئين السوريين من ريف درعا وحمص وحلب، وهم معتادون أيضاً على الحلول العشائرية للمشكلات التي تتراوح من الخلافات الشفهية وصولاً إلى الإصابات والوفيات التي تتسبب بها حوادث السير. بيد أن رأس المال الاجتماعي يؤدّي على الدوام دوراً في نتائج التسويات العشائرية التي يتم التوصل إليها عن طريق المفاوضات، وهو ما يفتقر إليه اللاجئون.
في نظر معظم عناصر الشرطة وعدد كبير من الأردنيين، تُعتبَر إقامة قنوات ارتباط مع شخصيات عشائرية نافذة المكوّن الأساسي للأمن المجتمعي. بغض النظر عما إذا كانت هذه الممارسة تشجّع أم لا على التوصل إلى حلول للخلافات على أساس من المساواة، من غير المرجّح أن يتم التخلي عنها في وقت قريب. غير أن المنظمات المجتمعية والمنظمات غير الحكومية ونشطاء المجتمع المدني يؤدّون أيضاً باطراد أدواراً محورية في التوسط في الخلافات بين أبناء الضفة الشرقية، والأردنيين الفلسطينيين، واللاجئين السوريين والعراقيين، والأجانب. كي تتمكّن الشرطة الأردنية من أداء دور في تعزيز الوئام الاجتماعي، عليها أن تتواصل وتتعاون مع شخصيات عشائرية وإدارية جديدة وتقليدية على السواء في مجال تسوية النزاعات. ويتطلب ذلك تعزيز المعرفة، إنما يقتضي، في شكل أساسي، تحولاً في الثقافة التنظيمية بعيداً من المعايير الذكورية التي لا تزال تطبع مديرية الأمن العام.
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.
جيسيكا واتكينز مسؤولة بحثية في مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد.
1. تقول مصادر الحكومة الأردنية أن العدد الفعلي للاجئين السوريين في الأردن هو 1.3 مليون نسمة.
2. مقابلة أجرتها الكاتبة مع ستيفن بودي، أحد قادة الفرق في شركة SIREN Associates، عمان، 30 أيلول/سبتمبر 2018.
3. مقابلة مع مدرّب من شركة SIREN، عمان، 2 تشرين الأول/أكتوبر 2018.
4. مقابلة مع عمر رفيع، عمان، 1 تشرين الأول/أكتوبر 2018.
5. مقابلة مع تمارا العبادي، لندن، 9 تشرين الأول/أكتوبر 2018.
6. مقابلة مع رنا نصار، عمان، 1 تشرين الأول/أكتوبر 2018.