في الثالث من شباط/فبراير، قدّم نوّاب مصريون من ائتلاف "تحيا مصر" الداعِم للرئيس عبد الفتاح السيسي والذي يضم خُمس أعضاء البرلمان، اقتراحاً لتعديل الدستور المصري. بعد يومَين، وافقت اللجنة العامة على التعديلات المقترحة، في إطار خطوةٍ تمهيدية تفسح في المجال أمام انطلاق نقاش داخل الندوة البرلمانية. غالب الظن أنه سيتم إقرار التعديلات الاثنَي عشر والمواد التسعة الجديدة، إذ يكفي الحصول على أكثرية بسيطة لإقرار تعديلٍ دستوري، وبحسب رئيس مجلس النواب علي عبد العال، يوافق ثلثا النواب على التعديلات.
تشتمل التعديلات المقترحة، وفق ما هو متوقّع، على تعديل للمادة 140 ينص على تمديد الولاية الرئاسية من أربع إلى ست سنوات، وعلى بندٍ جديد يُجيز للرئيس الحالي الترشح لولايتَين إضافيتين. في حال أُقِرّت هذه التعديلات، فمن شأنها أن تتيح للرئيس السيسي البقاء في السلطة حتى العام 2034. وتتضمن التعديلات الدستورية المقترحة أيضاً أحكاماً تُضفي طابعاً قانونياً على التدخلات العسكرية في السياسة (المادة 200)، وتؤدّي إلى توسيع سلطة المحاكم العسكرية (المادة 204)، وتزيد من سطوة السلطة التنفيذية على القضاء (المواد 185 و190 و193). سوف تؤدّي هذه التعديلات إلى تثبيت موقع القوات المسلحة فوق الدولة عبر منحها الوسائل القانونية اللازمة للتدخل ضد الحكومات المنتخبة، وصلاحيات معزَّزة لملاحقة خصومها السياسيين قضائياً.
يُضيف تعديل المادة 200، التي تتناول الدور المؤسسي للجيش، "صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد" إلى المهام المنوطة بالقوات المسلحة، ما يمنح الجيش حقاً دستورياً بتنفيذ انقلاب وفرض حكم عسكري مباشر، لا سيما إذا تعرضت طبيعة الدولة "العلمانية" للتهديد بسبب تحقيق الإسلاميين فوزاً انتخابياً. يُجيز التعديل فعلياً للقوات المسلحة إلغاء نتائج الانتخابات وفقاً لمزاجها الخاص تحت ذريعة حماية الدستور أو الديمقراطية أو الدولة. كذلك، يحذف تعديل المادة 204 كلمة "مباشر" من عبارة "اعتداء مباشر"، في وصف الجرائم التي تُرتكَب بحق القوات المسلحة والتي يجوز للقضاء العسكري النظر فيها، ما يزيد من السلطة الممنوحة للقوات المسلحة لمحاكمة المدنيين. أخيراً، يجعل تعديل المادة 234 تعيين وزير الدفاع رهناً بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حيث تنص المادة بصيغتها الراهنة بأن أحكامها تسري لدورتين رئاسيتين اعتباراً من تاريخ العمل بالدستور. وفي ذلك ضمانةٌ لبقاء الجيش فريقاً مستقلاً يمسك بزمام شؤونه الخاصة من دون أي إشرافٍ مدني.
فضلاً عن هذه المقترحات لتوسيع سلطات القوات المسلحة، من شأن مجموعة من التعديلات المقترحة للمواد 185 و190 و193 أن تفرض كوابح شديدة على استقلال القضاء. فهي تلغي مجتمعةً أي سبلٍ قانونية لتحدّي النظام في المحاكم، من خلال إفساح المجال أمام وصول المرشحين الحائزين على القبول من السلطات دون سواهم إلى رئاسة المؤسسات القضائية المختلفة، ما يتسبب بالقضاء على استقلالية موازناتها، وكبح صلاحيات مجلس الدولة.
يحذف تعديل المادة 185، التي كانت تجيز للقضاء تنظيم شؤونه الخاصة، عبارة "يكون لكل منها موازنة مستقلة". ويُضيف فقرةً تمنح الرئيس سلطة تعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية من بين خمسة تُرشِّحهم مجالسهم العليا من بين أقدم سبعة من نوابهم لمدة أربع سنوات. ويجيز التعديل إنشاء مجلس أعلى للهيئات والجهات القضائية يرأسه رئيس الجمهورية، للإشراف على تعيين أعضاء الجهات والهيئات القضائية وترقيتهم وندبهم. من شأن الدور الاستشاري الذي يتمتع به رئيس الجمهورية في هذا المجلس أن يُتيح له أداء دور الحكَم في مشاريع القوانين التي تُنظّم الشؤون القضائية.
أما المادة 193 المتعلقة بالمحكمة الدستورية العليا فتمنح بصيغتها الراهنة الجمعية العامة التابعة للمحكمة سلطة اختيار رئيس المحكمة ونوّابه. غير أن التعديل المقترح يُجيز لرئيس الجمهورية اختيار رئيس المحكمة الدستورية العليا من بين أقدم خمسة نواب رئيس المحكمة. في الصيغة المقترحة للمادة، يتمتع الرئيس أيضاً بسلطة اختيار نائب رئيس المحكمة من بين اثنَين تُرشّح أحدهما الجمعية العامة للمحكمة ويُرشّح الآخر رئيس المحكمة. كما تمنح التعديلات الرئيس صلاحية تعيين رئيس هيئة المفوضين في المحكمة - وهي هيئة مؤلّفة من خبراء تُدلي بآراء قانونية غير ملزمة - وأعضائها، وذلك بناءً على ترشيح رئيس المحكمة. في حين أن الأحكام القضائية والقانونية التي تُعطي الأفضلية للقوات المسلحة والسلطة التنفيذية تسبّبت تدريجاً بتقويض استقلال القضاء، تأتي هذه التعديلات لإرساء أساسٍ دستوري يُعوَّل عليه في كبح الاستقلال الذاتي للقضاء بطريقة يكاد يتعذّر العودة عنها.
تطال التعديلات أيضاً المادة 190 التي تُحدّد مهام مجلس الدولة، أي منظومة المحاكم المسؤولة عن البت في النزاعات بين الأجهزة الإدارية للدولة وكذلك بين الدولة والأفراد. تُعفي التعديلات المقترحة المجلس من مسؤولية مراجعة العقود التي تُبرمها الدولة أو مؤسساتها العامة، من دون تعيين بديلٍ عنه للنهوض بهذه المهمة. تعني هذه الخطوة إلغاء أي إشراف قضائي على العقود الحكومية، وتعزيز نفوذ الحكومة، وإتاحة الفرص أمام مزيد من الابتزاز والرشوة. ومما لا شك فيه أن القوات المسلحة ستُفيد من إلغاء الإشراف القضائي في هذا المجال، نظراً إلى أنها تعمل جاهدةً على توسيع بصمتها الاقتصادية مستعينةً بالعقود الحكومية. فضلاً عن ذلك، وفي حين أن مجلس الدولة يتولى راهناً مراجعة جميع مشروعات القوانين للتأكُّد من تطابقها مع مندرجات الدستور، ينص التعديل المقترح على أنه سيكتفي بعد الآن بمراجعة مشروعات القوانين التي تُحال إليه، ما يحدّ إلى درجة كبيرة من قدرته على تحدّي السلطة التنفيذية – لا سيما على ضوء تورّطه في صراع قانوني طويل مع النظام على خلفية نقل جزيرتَي تيران وصنافير إلى السعودية. وهكذا يمكن أيضاً النظر إلى تحجيم سلطة مجلس الدولة بأنه وسيلةٌ لمعاقبته، وقطع الطريق أمام نشوب مزيد من الصراعات القانونية المطوّلة بين الحكومة والقضاء.
من شأن إقرار هذه التعديلات، وفق ما هو متوقَّع، أن يُعيد صياغة المنظومة السياسية المصرية ويقضي على آخر مظاهر الفصل بين السلطات أو على آخر ما تبقى من علامات خضوع القوات المسلحة لسلطة الحكومة المنتخَبة. عندئذٍ ستتحوّل مصر ديكتاتورية عسكرية بالاسم والفعل على السواء.
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.
ماجد مندور محلل سياسي وكاتب عمود Chronicles of the Arab Revolt عبر المنصة الإعلامية Open Democracy. لمتابعته عبر تويتر: MagedMandour@