شهد مخيم الهول 24 حادثة قتل نصفها في شهري أيار /مايو وحزيران/ يونيو2022، وذلك بسبب التطرّف الأيديولوجي الذي تعتنقه أكثر من ثمانية آلاف جهادية لا يزلن متمسكات بفكر تنظيم الدولة الإسلامية، حيث شهد المخيم مقتل موظفي منظمات دولية ومحلية، مثل مقتل مسعفٍ طبي في منتصف كانون الثاني/يناير الماضي. كما قامت الجهاديات بقتل المقيمات داخل "الهول" ممن يفكرن في التخلص من أفكارهنّ المتشدّدة، حيث يُقتلن في ظروف غامضة بواسطة ما يُعرف بوحدات الحسبة، التي تقوم بتنفيذ العقاب المناسب على النساء اللواتي يقررّن التغيير والابتعاد عن عقيدة التنظيم، وهذا ما يشكل التحدي الأمني الأكبر بالنسبة لـ "الإدارة الذاتية" لشمالي سوريا وشرقيها، وقواتها الأمنية التي تحرس المخيم.
يقع مخيم الهول الذي يضم أكثر من 65 ألف شخص، بالقرب من الحدود السورية العراقية، ويمثّل تحدّياً أمنياً للبلدين والدول المحيطة بهما لجملة من الأسباب، أبرزها أنه يضمّ هذا العدد الكبير من جهاديات التنظيم المتطرّف، اللواتي تمتنع حكومات الدول الأوروبية والآسيوية التي ينحدرن منها عن إعادتهن بسرعة، ولا تزال هذه الدول تتحجج بحاجتها إلى الحصول على البيانات والتحقيقات الجنائية الخاصة بكل حالة، وذلك وفقاً لتصريحات المحاميَين الفرنسيين ماري دوزي ولودوفيك ريفيير اللذين يقدمان المشورة لبعض هؤلاء النساء ممن يطالبن بالعودة. هذا الموقف الفرنسي ينطبق كذلك على أبناء المقاتلين الأجانب العالقين في المخيّم. استنادًا إلى بيانات منظمة (أنقذوا الأطفال) Save the Children، يقيم حاليًا ما يقدر بنحو 7300 طفل في المخيم. وبحسب المنظمة، فإن هؤلاء الأطفال لم يرتكبوا أي خطأ ويحتاجون إلى الحماية. على الرغم من هذا الواقع، يفترض البعض أنه في ظل غياب إمكانية العودة إلى الوطن، من المحتمل أن يتم استغلال هؤلاء الأطفال وتعبئتهم بأفكار متطرفة تقودهم إلى القبول بأيديولوجية تنظيم الدولة من قبل بعض أعضاء التنظيم ممن بقوا في المخيم، والذين قد يغرسون رغبة الانتقام لآباء هؤلاء الأطفال الذين قتلوا أو أسروا في المعارك التي خاضها تنظيم الدولة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.1
من هذا المنطلق، لا يمكن استبعاد فرضية عودة التنظيم المتطرّف من جديد انطلاقاً من مخيم "الهول" سيما مع تكرار محاولات الجهاديات الهروب والتواصل مع العالم الخارجي بواسطة الهواتف، إضافة إلى تلقيهنّ حوالات مالية من الخارج عبر شركاتٍ تنتشر داخل المخيم. وهذا ما أكده المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقرير أشار فيه إلى أن قوى الأمن الداخلي في مناطق "الإدارة الذاتية" والتي تُعرف بـ"الآسايش" تمكنت من إحباط هروب نحو 200 امرأة من جنسياتٍ مختلفة ومعهن عدد كبير من الأطفال. وما يؤكد هذه الفرضية، الاشتباكات التي شهدتها محافظة الحسكة في مطلع العام الجاري، بين خلايا من تنظيم الدولة و"قسد" في محاولة من التنظيم لتحرير عناصره المحتجزين في سجون "قوات سوريا الديمقراطية". لهذا من المتوقع أن يشنّ التنظيم هجماتٍ مماثلة على مخيم "الهول" بهدف إخراج الجهاديات منه لتشكيل خلايا على نطاقٍ أوسع خارج المخيم. وقد يكون هذا الهدف الأخير سبباً لاشتباكاتٍ حصلت في أواخر آذار/مارس الماضي، بين حرّاس المخيم وخلايا من التنظيم نجم عنه قتلى وجرحى، وفق ما أفادت به القوات الأمنية التي تسيطر على المخيم والتي أعلنت في وقتٍ سابق تفكيك خلايا نائمة لتنظيم الدولة داخل "الهول".
أمام هذه التحدّيات الأمنية، يستمر المجتمع الدولي في تجاهل نداءات "الإدارة الذاتية" و"قسد" اللتين تطالبان الدول التي تنحدر منها الجهاديات بإعادتهن مع أطفالهن، ورغم هذه النداءات وتحذير منظمات الإغاثة فقد تم تسليم ألبانيا وألمانيا وروسيا وفرنسا وأوزبكستان وكوسوفو ودول عربية وأخرى آسيوية، عدداً قليلاً من النساء والأطفال، في حين اكتفت دول أوروبية، باستعادة الأطفال اليتامى فقط. تصرّ غالبية هذه الدول على عدم استعادة مواطنيها، على اعتبار أنهم تهديد جديد للأمن الأوروبي، وكذلك لا تستجيب تلك الدول لدعوة "الإدارة الذاتية" إلى إنشاء محاكم لمقاضاة أولئك الجهاديات على الأراضي السورية، حيث لا تحاكمهن السلطات المحلّية، بل تكتفي بمحاسبة حاملي الجنسية السورية قضائياً أو الإفراج عنهم بوساطاتٍ عشائرية من وجهاء المنطقة. وهو ما يبقي مشكلة الجهاديات الأجنبيات وأطفالهنّ دون حلّ رغم نقل أعدادٍ منهم إلى مخيم "روج" وبقاء آخرين بمخيم "عين عيسى".
تنحدر هؤلاء الجهاديات من نحو 60 دولة، ومنذ سقوط خلافة تنظيم الدولة في آذار/مارس 2019، وهن يعشنّ مع أطفالهن داخل مخيّم "الهول"، وتحاول الإدارة الذاتية منذ ذلك الحين تسليط الضوء على مشاكل المخيم والضغوطات الاجتماعية والأمنية التي تعيشها المنطقة بسببه، وهي تسعى لإعادة المواطنين الأجانب إلى ديارهم للتخفيف من تلك الأزمات، ولكن يبدو أن الدول الأوروبية لم تحسم موقفها بعد من عودة المقاتلين والجهاديات الأجانب رغم الضغوط الدولية.
ترفض هذه الدول الأوروبية فكرة المحاكم في سوريا إلى الآن، لوجود انقسام كبير في الشارع الأوروبي حول قضية إعادة المقاتلين والجهاديات، على أساس أن هؤلاء غير نادمين ويمثلون تهديدا أمنياً خطيراً، وأنه في حال إجراء محاكمتهم في سوريا أو خارجها سيتلقون أحكاماً بالسجن لمدة قصيرة ومن المحتمل أن يحاولوا التأثير على باقي السجناء وتجنيدهم. ومن المحتمل بعد انتهاء فترة السجن أن يحاولوا الهرب مرة أخرى، والعودة إلى صفوف تنظيم الدولة مجدداً.
تخشى الحكومات الأوروبية من إعادة عناصر التنظيم وإطلاق سراحهم بعد محاكمتهم رغم أنه لمعظم هذه الدول تشريعات تسمح بمحاكمة المقاتلين الأجانب العائدين بتهمة الانتماء إلى جماعة إرهابية أو دعمها، وقد وصل متوسط العقوبة إلى خمس سنوات سجنا، بينما وصل إلى سبع سنوات في المملكة المتحدة التي ألغت جنسية العديد من المواطنين البريطانيين الذين سافروا للانضمام إلى تنظيم "الدولة" في الشرق الأوسط، ووصلت الأحكام في فرنسا على جهاديين بالسجن 14 عاماً.
في ضوء الرفض الأوروبي، تعاني القوات الكردية التي تسيطر على مخّيم "الهول" من مشاكل متزايدة مع دخول الجيش السوري للمرة الأولى إلى بعض المناطق الحدودية مع تركيا، وذلك أثناء آخر عمليةٍ عسكرية شنّتها تركيا ضد المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد" في التاسع من تشرين الأول/ اكتوبر 2019. تلقى بعض العاملين في الهيئات الدولية تهديدات بالقتل وهو ما أرغم معظم المنظمات الدولية على الانسحاب من المخيم. ترافق ذلك مع تحذيرات منظمة "هيومن رايتس ووتش" من سوء الرعاية الصحية والخيام الممزقة والمياه الملوثة، والخطر الأكبر المتمثل في الأمراض المنتشرة بين الأطفال مثل الجرب والإسهال والإنفلونزا. يضاف إلى ذلك عدم سماح حكومة دمشق للمنظمات الدولية بممارسة عملها في المخيم إذا لم يدخل موظفوها الأراضي السورية عبر المنافذ والمعابر والمطارات التي تخضع لسيطرة دمشق، الأمر الذي ضاعف التحدّيات التي تواجهها المنظمات الدولية العاملة في المخيم.
بما أن السلطات المحلية المسؤولة عن مخيّم "الهول" تسمح لسكانه السوريين بالعودة إلى مناطقهم، إن لم يثبت ارتكابهم لأي جرائم، وبما أنها كذلك لا ترفض إعادة العراقيين المقيمين في المخيم إلى بلدهم، فهذا يعني أن مشكلة "الهول" الوحيدة تكمن في بقاء الجهاديات الأجنبيات عالقات بهذا الشكل، في ظل عدم توفر دعمٍ مالي وأمني كافٍ للإدارة الذاتية التي تسيطر بالكامل على "الهول". كما أن تهديد تركيا بشنّ هجوم عسكري جديد على مناطق الإدارة الذاتية ينذر بمزيدٍ من الفلتان الأمني داخل المخيم، كما حدث ذلك عند فرار جهادياتٍ من مخيم عين عيسى مع بدء الهجوم التركي الأخير على تلك المناطق في تشرين الأول/اكتوبر 2019.
قد يكمن الحلّ الأمثل للمخيمات الثلاثة (الهول، وروج، وعين عيسى) في لجوء الدول المعنية والتي تنحدر منها الجهاديات وأطفالهن، لقراراتٍ سريعة وحاسمة تنظّم عودتهم إلى أوطانهم الأصلية واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم أو دمجهم من جديد في مجتمعاتهم، ما يؤمن الاستقرار والأمن لشمالي شرق سوريا سيما وأن تأخير حلّ أزمة هذه المخيمات، سيبقيها إلى أجلٍ غير مسمى بؤرة تحفظ وجود تنظيم "الدولة" وأفكاره في المنطقة وهو أمر أشار إليه وفد من الأمم المتحدة الذي زار المخيم مؤخراً وحذّر من أن ترك مشكلة "الهول" دون معالجة سيؤثر حتماً على الوضع الأمني للمنطقة وخارجها.
ملاحظة:
١. تصحيح: هذا المقال ربطـ، في الأصل، معلومات منظمة (أنقذوا الأطفال) لتقدير إمكانية تحويل الأطفال إلى التطرف في مخيم الهول. هذان الافتراضان تم الفصل بينهما وفقا لهذا التصحيح.
جوان سوز، باحث وصحافي مختص بالشؤون التركية والأقليات في الشرق الأوسط، وهو أيضاً عضو في نقابة الصحافة الفرنسية SNJ. يمكنكم متابعته على تويتر.