في السابع من تشرين الأول / أكتوبر، شن مقاتلو حماس هجوماً مفاجئاً على جنوب إسرائيل، ما أسفر عن مقتل 1300 مدني واحتجاز 150 رهينة. ورداً على ذلك، شنت إسرائيل هجوماً عنيفا غير مسبوق على قطاع غزة أدى حتى الآن إلى مقتل أكثر من 5000 فلسطيني، بما في ذلك أكثر من 2000 طفل، وتشريد نصف سكان غزة، وتدمير جزء كبير من البنية التحتية المدنية في القطاع.
يستكشف عزام شعث المنطق الكامن وراء عملية "طوفان الأقصى" التي قامت بها حماس، مجادلاً بأنه على الرغم من أنها فاجأت إسرائيل والعالم الخارجي، إلا أن دوافعها الكامنة لم تكن غير متوقعة. من ناحية أخرى، تشير رهام عودة إلى أن القتال بين حماس وإسرائيل قد يتوسع بسرعة إلى جبهات أخرى - بما في ذلك الضفة الغربية - بما يتماشى مع تنسيق المقاومة الفلسطينية المسلحة المعروف باسم "وحدة الساحات."
دوافع حماس وأهدافها من عملية "طوفان الأقصى"
يبدو أن الهجوم المباغت الذي شنّته حركة حماس على المستوطنات الإسرائيلية في منطقة "غلاف غزة" في السابع من أكتوبر لعام 2023، يؤسس لمرحلة جديدة من المواجهة بين الفصائل الفلسطينية في غزة وإسرائيل.
عزام شعث
حركة حماس التي امتنعت عن الانضمام للقتال مع حركة الجهاد الإسلامي في ثلاث جولات من مواجهة إسرائيل في السنوات الخمسة الأخيرة، وتعرضت لانتقادات مؤيديها وخصومها لتفضيلها الحكم على المقاومة، وتَخضع لسياسة التحييد التي فرضتها إسرائيل عليها ؛ مارست، على امتداد هذه السنوات، خداعًا استراتيجيًا لتضليل إسرائيل تجهيزًا لعملية "طوفان الأقصى"، التي كشفت عن أداء نوعي لمقاتلي "كتائب القسام"، وتسببت لإسرائيل بخسائر غير مسبوقة بشريًا، ومعنويًا، واقتصاديًا.
وما من شك أن لحركة حماس التي خططت جيدًا، وأعدت جيشًا من المقاتلين، ووفرت ذخيرتها وإمكانياتها لمواجهة إسرائيل برًا وجوًا وبحرًا دوافعها وأهدافها من عملية "طوفان الأقصى". لقد حدد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية ، وقائد كتائب عز الدين القسام، محمد الضيف ، دوافع العملية في أول بيانٍ لهما في الساعات الأولى من اقتحام المستوطنات الإسرائيلية، بأنها "رد فعل على اقتحام المستوطنين لباحات المسجد الأقصى والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة في الضفة الغربية"، وأشاعا بأن "المعركة الدائرة هي لتحرير فلسطين". وهكذا، فإن الحركة نفذت تهديدها لعدم قبول مشهد الاقتحامات الإسرائيلية لباحات المسجد الأقصى، وربطت القدس بغزة ضمن سياسة "وحدة الساحات" كأحد أهداف هذه العملية.
في القراءة المتأنية للمواجهة العسكرية التي بدأتها حماس هذه المرة، الكثير من الدوافع والأهداف المَخفية والمسكوت عنها، وهي دوافع لا تخطئها عين المراقب للبيئة الفلسطينية الإسرائيلية وتشابكاتها الإقليمية والدولية، والمنغمس في قضاياها وتفاصيلها. فالهدف العام المُعلن لا ينفي حقيقة سعي الحركة إلى تحقيق عدّة أهداف، أهمها: تغيير واقع قطاع غزة الذي كرسته إسرائيل منذ انسحابها أحادي الجانب في عام 2005، مع إبقائها على تحكمها وسيطرتها على القطاع وفضائه العام برًا وبحرًا وجوًا، رغم تخليها عن مسؤولياتها القانونية والإدارية كقوة قائمة بالاحتلال، وهي المعادلة التي عمقت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لسكان قطاع غزة، خاصة بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية، وسيطرتها بالقوة العسكرية على القطاع في عامي 2006 و2007، مع ما جلبه ذلك من حصار إسرائيلي مشدّد امتد لأكثر من 16 عامًا؛ أعاق إلى جانب الانقسام الفلسطيني الداخلي فرص تقديم حماس نموذجًا ناجحًا في الإدارة والحكم.
وأرادت حماس ضمن أهداف عملية "طوفان الأقصى" الانقلاب على منطق التهدئة الأمنية مع إسرائيل، وذلك بمغادرة سياسة الحلول المرحلية والمؤقتة في التعامل مع قطاع غزة، والقائمة على أساس معادلة "السلام الاقتصادي" والتسهيلات الاقتصادية الجزئية والمرحلية، التي تبنتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كبديل لمسار التسوية السياسية مع الفلسطينيين خلال السنوات الأخيرة؛ فرغم الفوائد التي جنتها حماس من التسهيلات الممنوحة لقطاع غزة، إلا أنها لم تكن بمستوى تخفيف أزمات القطاع الذي ترتفع فيه معدلات الفقر والبطالة، وتتقاسم مع السلطة الفلسطينية وإسرائيل مسؤوليتها عنها في نهاية المطاف.
ولا تُستثنى بطبيعة الحال قضية الأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، الذين يواجهون قرارات وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، وخُططه للتضييق عليهم، من دوافع عملية "طوفان الأقصى" في إطارها الفلسطيني الأوسع، وذلك وفق ما أعلنه مسؤول ملف الأسرى في حركة حماس، زاهر جبارين، في 5 سبتمبر/أيلول-أيّ قبل نحو شهر واحد من العملية-: "إن معركتنا المقبلة مع الاحتلال عنوانها الأسرى". وبنفس المستوى، تدخل قضية دعم أنصار حماس في الضفة الغربية، الذين يتعرضون للاعتداءات الإسرائيلية اليومية ضمن أهداف هذه العملية ودوافعها أيضًا.
وأخيرًا، لم تكن مسألة استعادة القضية الفلسطينية لدورها ومكانتها في الدائرتين الدولية والعربية بعيدة عن أهداف عملية "طوفان الأقصى" ودوافعها، خاصة بعد أن غابت الإدارة الأمريكية عن الفعل والمبادرة لتسوية قضية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وانحازت لإسرائيل انحيازًا كاملًا، وتعاملت مع القضية الفلسطينية من منظور إنساني، وبعدما طغت موجة تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية بديلًا عن القضية الفلسطينية بدون التقيد بشرط تسويتها وقيام الدولة الفلسطينية في حدود الرابع من يونيو/حزيران عام 1967، مثلما عبرت عنها مبادرة السلام العربية في قمة بيروت عام 2002.
عزام شعث، كاتب وباحث سياسي مقيم في غزة، حاصل على درجة الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية من جامعة محمد الخامس بالرباط. لمتابعته عبر منصة "إكس" @AzzamShaath
وحدة الساحات: شباب الضفة الغربية يواجهون إسرائيل
تمثل الحرب القائمة بين حماس وإسرائيل، مفهوم وحدة الساحات، التي روجت له حركة الجهاد الإسلامي في معركتها مع الجيش الإسرائيلي عام 2021 "معركة سيف القدس." والتي أسمتها إسرائيل عملية "حامي الأسوار."
رهام عودة
فور شن حماس عمليتها العسكرية "طوفان الأقصى" في7 أكتوبر/ تشرين الأول ضد إسرائيل، والتي اقتحم فيها مئات المسلحين من حركة حماس المدن الإسرائيلية في منطقة غلاف غزة، حتى تسارعت الأحداث بشكل مخيف، ولاسيما بعد مقتل نحو 1300 و أسر نحو 150 إسرائيلي من جنوب إسرائيل، ومن ثم إعلان إسرائيل الحرب رسميا على قطاع غزة متوعدة بتحويله إلى جحيم، مع حشد دعم أمريكي-أوروبي لمحاولة القضاء على حركة حماس.
قصفت إسرائيل حتى 23 أكتوبر/تشرين الأول مئات البيوت الفلسطينية المأهولة بالسكان وبعض الأبراج السكنية بغزة، ما أدى إلى مقتل نحو 5087 فلسطيني من بينهم 2055 طفلا. وقد دمرت الطائرات الحربية الإسرائيلية جزءً كبيراً من البنية التحتية المدنية لغزة بما فيها شبكة الاتصالات ما أدى لقطع الانترنت وعزل سكان القطاع عن العالم.
تجَسّد خلال هذه الحرب المستعرة بين حماس وإسرائيل، مفهوم وحدة الساحات، الذي روجت له حركة الجهاد الإسلامي سابقاً ضمن معركتها مع الجيش الإسرائيلي في عام 2021 “معركة سيف القدس"، التي أطلقت عليها إسرائيل حينذاك مسمى عملية حامي الأسوار. ويقصد بوحدة الساحات، أن المقاومة المسلحة الفلسطينية ضد إسرائيل موحدة عبر عدة جبهات في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو في أي مكان تتواجد به عناصر المقاومة في الدول العربية المجاورة أبرزها لبنان وسوريا.
فَرضَ نهج وحدة الساحات معادلة جديدة في الصراع مع إسرائيل، لوجود تنسيق رفيع المستوى بين الفصائل الفلسطينية وبين ما يُسمى بمحور المقاومة الإسلامية الذي يقوده حزب الله في لبنان بدعم من إيران، بحيث تعمل جميع الفصائل الفلسطينية المسلحة ضمن غرفة عمليات مشتركة تُدار في غزة و في جبهة قتال واحدة ضد إسرائيل من أي مكان قد تتواجد به قوات المقاومة الفلسطينية دون التقيد برقعة جغرافية محددة، وهذا فعلا ما حدث خلال هذه الحرب عندما أطلق حزب الله و مجموعات مسلحة تابعة لحماس في لبنان عدة صواريخ من الجنوب اللبناني ضد أهداف إسرائيلية في شمالي إسرائيل.
أما بالنسبة للضفة الغربية، فتم تطبيق نهج وحدة الساحات انتقاما لما يحدث بغزة، حين اشتعلت مواجهات بين شباب الخليل والجيش الإسرائيلي عندما حاول اقتحام شمال الخليل واعتقال عمال من غزة Maan، كما وقعت أيضا اشتباكات عنيفة بين مجموعات شبابية في مخيم نور الشمس بطولكرم و قوات الجيش الإسرائيلي، ما أدى إلى مقتل نحو 13 فلسطينيا بينهم 5 أطفال.
مع استمرار الحرب على غزة، من المتوقع أن يتصاعد رد فعل الشباب الفلسطيني بالضفة الغربية. قد تشمل ردود الفعل عمليات إطلاق نار وعمليات طعن ودهس ضد المستوطنين وقوات الجيش الإسرائيلي المنتشرة في أراضي الضفة الغربية والقدس، ومن المحتمل أيضا أن يزداد التوتر في الضفة، خاصة بين الشباب و قوات أمن السلطة الفلسطينية، فبعد مقتل المئات من المدنيين في غزة جراء سقوط قذيفة صاروخية على ساحة المستشفى المعمداني - الأهلي بغزة، حدثت مواجهات بين العشرات من الشباب الغاضب ضد قوات الأمن الفلسطيني بمدينة رام الله بسبب عدم انخراط قوات الأمن الفلسطيني في مواجهات مع الجيش الإسرائيلي للانتقام لدماء المدنيين بغزة.
وهناك أيضا احتمال آخر بأن يقوم بعض شباب الضفة الغربية بعمليات تسلل للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية أسوة بما حدث في عملية حماس "طوفان الأقصى" التي اخترقت فيها عناصر حماس بعض المستوطنات، والتي قدمت من خلالها حماس لشباب الضفة الغربية نموذجاً حيا لإمكانية اختراق المستوطنات التي كانت تُعد بالسابق منيعة عن الاختراق.
وأخيرا، يبدو أن الأوضاع في قطاع غزة والضفة الغربية تنحدر نحو منعطف خطير، وأن شعلة اللهب في الأراضي الفلسطينية ستتسع لتشعل جبهات قتال أخرى في المنطقة، ما ينذر بأزمة سياسية وأمنية كبيرة بالشرق الأوسط، وكارثة إنسانية وجرائم حرب ضد المدنيين في قطاع غزة.
رهام عودة، هي كاتبة ومحللة سياسية فلسطينية مستقلة، مقيمة بقطاع غزة، وباحثة دكتوراه في العلوم السياسية، لمتابعتها عبر منصة "إكس" @RehamOwda.