في الأول من شباط/فبراير 2011، وبعد أسابيع من الاحتجاجات التي سبقت الانتفاضتين في تونس ومصر، أقال الملك عبدالله الثاني حكومة سمير الرفاعي التي لم تحظَ بأي شعبية، وكلّف الجنرال السابق في الجيش ورئيس الحكومة السابق، معروف البخيت، بتشكيل حكومة جديدة. وكانت مهمة البخيت الأولى "اتخاذ خطوات سريعة وعملية وملموسة تهدف إلى إطلاق عملية إصلاح سياسي فعلية تعكس رؤية [الأردن] للإصلاح الشامل والتحديث والتنمية". إلا أن الإشارات إلى الإصلاح السياسي، على كثرتها في كتاب التكليف الأخير هذا، لم تكن بجديدة.
منذ تولّي الملك العرش في العام 1999، عهد إلى كل حكومة معيّنة تقريباً ببعض جوانب الإصلاح السياسي. لكن الجديد الذي أتى به كتاب التكليف هذا هو إقرار الملك الصريح بأن "عملية الإصلاح شابتها ثغرات واختلالات"، وأن هذه الثغرات والاختلالات جاءت نتيجة "الخوف من التغيير الذي أبداه بعض ممّن قاوموا هذا التغيير حفاظاً على مصالحهم الخاصة... ما كلّف البلاد ثمناً باهظاً وحرمها من كثير من فرص الإنجاز".
وقد ألمح الملك، في العديد من خطاباته ومقابلاته الصحافية على مدى السنوات القليلة الماضية، إلى شعوره بالإحباط إزاء مَن لم يرغبوا في قبول التغيير. لكن الكلمات التي ضمّنها خطابَه هذا عكست أوضح هجوم إلى الآن على الذين قاوموا الإصلاح. وكانت التهمة جليةً: الدوافع الكامنة وراء مقاومة التغيير من جانب هذه المجموعات، التي أنشأها النظام ودعمها على مدى عقود عدة، نبعت من رغبتها في صون مصالحها الخاصة، حتى على حساب الدولة.
فهل كانت جهود الإصلاح لتتّخذ مساراً مختلفاً في الأردن؟ في بلد حيث الملك يتمتّع بسلطات واسعة في فروع الدولة كافة، يطرح شعورُه بالإحباط إزاء جهود الإصلاح المتعثّرة تساؤلاً عن سبب بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه. فعملية الإصلاح هذه، التي أطلقها الملك وطال أمدُها عقوداً من الزمن، تجاهلتها طبقة متحجّرة من النخب التي سعت إلى حماية مصالحها الخاصة. والتناقض الواضح بين توجيهات الملك إلى رؤساء الوزراء السبعة الذين كلّفهم بتشكيل الحكومات أثناء سنواته الاثنتي عشرة في السلطة، ناهيك عن سجل الإصلاح الذي أنجزته فعلياً هذه الحكومات المتعاقبة، إنما يشير إلى وجود مشكلة بنيوية غالباً ما يتمّ تجاهلها.
لقد أُجريت أبحاث عدة عن تشكّل الأنظمة الريعية وشبه الريعية في العالم العربي، حيث تعتمد الدولة على عائدات مصادر غير منتجة كالنفط أو المساعدات الخارجية. إلا أن هذه العائدات تُستَخدَم أيضاً بشكل خاص لتوفير امتيازات تُمنَح إلى النخب السياسية مقابل ولائها. فهذه المجموعات، التي شكّلتها أنظمة عربية عديدة على مرّ عقود، تدعم النظام القائم لأنها تحتلّ مكانةً متميّزةً من شأن الأنظمة المستندة إلى الجدارة أن تعرّضها للخطر، على عكس تلك المستندة إلى الزبائنية والمحسوبية.
وفي حالة الأردن، أصبحت هذه المجموعات متجذّرةً وقويةً ومتحجّرةً إلى حدٍّ لم تَعُد فيه تقاوم الإصلاح من أسفل وحسب، بل من أعلى أيضاً، وهنا الخطورة الأكبر. بعبارة أخرى، أصبحت هذه النخب متمرّدةً ونصّبت نفسها وصيّةً على الدولة، معتقدة أنها وحدها مَن يجب أن يقرّر كيف ينبغي للبلد أن يتطوّر. كما أنها لا تتوانى عن معارضة توجيهات القادة أو الأنظمة التي صنعتها في المقام الأول، إذا ما رأت أن هؤلاء القادة ينتهجون سياسات تهدّد مصالحها.
نلاحظ إذا نظرنا في الإصلاحات السياسية التي أنجزتها الحكومات المتعاقبة في الأردن، على مرّ العقد الماضي، أن توجيهات الملك تمّ تجاهلها وتمييعها، في معظم الحالات، ومعارضتها بشكل مباشر، في بعض الأحيان. لكن ذلك لا يعني أن أغراض كلّ من هذه الطبقة والملك كانت دائماً على نقيض، بل يوحي بأن النظام الريعي استطاع، على مرّ الزمن ومن خلال تحصّنه، أن يخلق وحوشاً تبدي رضوخها طالما أن النظام يديم سياسة الامتيازات القديمة.
إذّاك، ستتّبع هذه المجموعات على الأرجح سياسات تتناقض والإصلاح السياسي، ما سيسفر عن ثغرات واختلالات هي نفسها التي شكا منها الملك في كتاب التكليف الأخير. لقد أثبتت الأنظمة الريعية هذه أنه من الصعب الإبقاء عليها، وفي عالم عربي يطالب أكثر فأكثر بحوكمة أفضل وقدر أكبر من المساءلة، ستشكّل هذه الأنظمة المتحجّرة تهديداً كبيراً للاستقرار، ولا سيما في البلدان ذات الموارد القليلة كالأردن.