REQUIRED IMAGE

REQUIRED IMAGE

مقال

نادي القضاة يتحدى نظام الحكم

في الشهور الأخيرة، مع نمو الضغوط على الحكومة المصرية للإصلاح، أمسكت عناصر من المجتمع المدني المصري باللحظة للتقدم ببرامج طال عليها الزمن.

نشرت في ٣١ أغسطس ٢٠٠٨

في الشهور الأخيرة، مع نمو الضغوط على الحكومة المصرية للإصلاح، أمسكت عناصر من المجتمع المدني المصري باللحظة للتقدم ببرامج طال عليها الزمن. كان القضاة من بين أكثر الجماعات التي تدفع بميزتها مدعاة للدهشة ومغزى. ففي يوم 13 مايو عقد نادي قضاة مصر جمعية عمومية طارئة، حيث قدّم ما يزيد عن 1500 قاض حضروا إنذارا لنظام حكم مبارك. جعل القضاة من إشرافهم ـ الذي يفرضه الدستور ـ على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الوشيكة خاضعا لشرطين: الأول هو أن يتمتبني، قبل انتهاء الدورة التشريعية في يونيو، مشروع قانون أعده نادي القضاة يضمن استقلال القضاء، بينما كان الثاني هو تعديل قانون المشاركة السياسية ليضمن رقابة قضائية كاملة على العملية الانتخابية. فبينما كان القضاة يراقبون ما يجري داخل مراكز الاقتراع أثناء انتخابات عام 2000، أدت الإجراءات التعسفية لوزارة الداخليةخارجها إلى خروقات في عدد من الدوائر.

 

كان نادي القضاة يتداول مع الحكومة على مدى ما يقرب من 15 سنة لإقرار قانون يحرر القضاء من السيطرة المالية والإدارية لوزارة العدل. ويخصص مشروع القانون ميزانية مستقلة للقضاء ويمنح "المجلس الأعلى للقضاء" (الذي يتكون من كبار القضاة) بدلا من الوزارة ( التي هي جزء من السلطة التنفيذية) الحق في تعيين القضاة والإشراف عليهم ومحاسبتهم. في 20 مارس قدّم القضاة مشروعهم للبرلمان مع طلب إقراره نهاية الفصل التشريعي الحالي في يونيو. في تلك الأثناء وضعت وزارة العدل مشروع قانون بديلاً، تجاهل المطالب الرئيسية لنادي القضاة، وبذلك أطلقت المواجهة بين نادي القضاة والحكومة.

 

بالمثل، وفي ضوء تجربتهم في الإشراف على انتخابات عام 2000، طلب القضاة تعديل قانون المشاركة السياسية للحد من دور السلطة التنفيذية، خصوصا وزارة الداخلية، في العملية الانتخابية ولضمان الإشراف القضائي الكامل حسب نص الدستور. على أي حال، قصُر مشروع القانون الذي قدمته الحكومة إلى اللجنة التشريعية في البرلمان عن الوفاء بتلك المتطلبات. ما كان مشكلا على وجه خاص من وجهة نظر القضاة كان التكوين المقترح للجنة الانتخابات، التي أصر القضاة أن تتكون بالكامل من قضاة كبار تختارهم السلطة القضائية . على نقيض ذلك، ينص مشروع قانون الحكومة على أن تتكون اللجنة من ثلاثة قضاة يختارهم االمجلس الأعلى للقضاء، وممثل عن كل من وزارتي الداخلية والعدل، وخمس شخصيات غير حزبية ـ اثنان منهم قاضيان سابقان ـ وثلاث شخصيات عامة يختارها مجلس الشورى ( الذي يسيطر عليه الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم).

 

ردا على تحدي القضاة، تبنى نظام الحكم في البداية استراتيجية فرِّق تسُد. فبتحريض من وزارة العدل، أصدر المجلس الأعلى للقضاء إعلانا يواجه نادي القضاة، مصرا على أنه هو الهيئة الوحيدة التي لها حق التحدث باسم السلطة القضائية, ويؤكد التزام القضاة غير المشروط بالإشراف على الانتخابات الوشيكة. وأبرز الإعلام الذي تسيطر عليه الحكومة موقف القضاة الموالين وكانت ثمة تقارير في صحف المعارضة تفيد أن وزير العدل دعا أفرادا من القضاة إلى التوقيع على بيانات يلتزمون فيها بالمشاركة في الإشراف القضائي. كما نجح وزير العدل في الحصول على موالاة نادي قضاة مجلس الدولة، المنفصل عن نادي قضاة مصر ويضم 1100 عضو من القضاة. في المقابل قدّم وزير العدل لنادي قضاة مجلس الدولة مليون جنيه مصري ( نحو 150.000 دولار) مساعدة سنوية لناديهم، وزاد عدد المشرفين على الانتخابات من مجلس الدولة من 320 إلى 1100 قاضٍ، وخصصت مبانٍ جديدة واستراحات لنادي قضاة مجلس الدولة، وعرض وظائف إدارية في وزارة العدل لأعضاء عائلات قضاة مجلس الدولة.

 

خشي الكثيرون أن تضع استراتيجيات فرِّق تَسُد تلك، القضاة ضد بعضهم بعضا وبذلك تضعف السلطة القضائية وتفسدها، وهي الوحيدة من مؤسسات الدولة التي تحتفظ ببعض المصداقية لدى الجمهور المصري. صمد نادي القضاة، على أي حال، وأعلن أنه سيعقد اجتماعا طارئا آخر في 17 يونيو لتأكيد موقفه. استجابة لذلك، يبدو أن الحكومة تستجيب لمطالب القضاة. فقد أعلن وزير العدل بعد اجتماع مجلس إدارة نادي القضاة أن الحكومة تقبل مشروع القانون الذي أعده نادي القضاة. كما وعدت الحكومة أن تأخذ بجدية أكبر مقترحات نادي القضاة فيما يتعلق بقانون المشاركة السياسية. إذا أوفت الحكومة بتلك الوعود، ينتظر أن يتبعها حل وسط بين الحكومة والقضاة، يسمح للسلطة القضائية أن تضمن استقلالا أكبر بينما يضفي على التزام الحكومة المعلن بالإصلاح مصداقية أكبر.

 

دينا شحاتة باحثة في "مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية" بالقاهر
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.