مع ترسيخ الديمقراطية الوليدة في تونس، حملت الأعوام القليلة الماضية نوعاً مختلفاً من التحديات السياسية؛ ما هو الدرس الأكبر المستمَد من تجربة حكومة الوحدة، وما هي التأثيرات المترتّبة عن حلّها، وعن الاقتتال الداخلي السياسي، وغياب التقدم الاقتصادي والأمني في تونس، والتأثيرات على تونس تحديداً؟
لابد من أن نؤكد أنه في فترة ما بعد الثورات ترتفع مطالب الناس، يكون هناك ضعف في الدولة وهناك ربما غموض في المستقبل. كل هذه العوامل خلقت نوعاً من الأزمات السياسية في تونس. اليوم هناك نوع من الخيبة لدى الشباب التونسي ودورنا كسياسيين أن ندفع فيه الأمل، اول حاجة بالنسبة للانتخابات البلدية ركزنا على دور الشباب، اليوم نشرك الشباب في مواقع القرار، اليوم لدينا رؤساء بلديات من الشباب، ورؤساء دوائر بلدية من الشباب لأن الشباب يتخاطب مع الشباب ويستعمل آليات التكنولوجيا الحديثة. ونحن في بلدية تونس اخترنا أن نتجاوب ونخاطب الشباب باللغة التي يتقنها، نريد أن ندفع فيهم مزيداً من الإحساس بالمسؤولية ومزيداً من الاهتمام بالشأن العام، رغم أنها سنوات تجاذب سياسية. أريد أن يكون في تونس إقلاعٌ اقتصادي، نريد أن يكون هناك انتقال اجتماعي، مع الانتقال الديمقراطي. نحن نجحنا في المرحلة السياسية، بالمقارنة مع البلدان الأخرى، في انتظار إرساء منظومة اقتصادية شفافة. الآن الفساد ينخر الاقتصاد، وعندما ينخر الاقتصاد فإننا ننخر طموحات الشباب وطموحات المواطنين. فلابد من أن نقاوم الفساد ونزرع الأمل في التونسيين والتونسيات، وأن العمل قيمة إنسانية، ولابد من أن نعمل على إيجادها وإتقانها.
ما هي التأثيرات التي ستمارسها الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، في رأيك، على أولوياتك في مجال الحوكمة المحلية؟
فيما يخص بلدية تونس، أولوياتنا هي تحسين المدينة والخدمات ابتداءً من النظافة. كان عددٌ من البلديات يفتقر إلى المجالس البلدية لأن تم حلها بعد الثورة وتعويضها بنيابات خصوصية وهذه بدورها حُلَّت منذ أكثر من سنة، لأن القانون نصّ على إنشائها لمدة سنة واحدة ومن ثم جرى التمديد لها. بالتالي عانت البلديات نوعاً من الفراغ على مستوى المسؤولين وممثلي البلديات. وفي الوقت نفسه، شهدنا على ارتفاع المطالب من البلديات.
لقد رسمتُ استراتيجية واضحة لمدينة تونس كي تكون وجهةً للسياحة الداخلية والخارجية. أمس كانت هناك دعوة من جريدة نيويورك تايمز إلى قرّائها لزيارة تونس. هذا دليل على نجاح تونس الأمني في مقاومة الإرهاب. نسعى أيضاً إلى تحسين النظافة وإرساء توازن بيئي عبر إقامة مناطق خضراء وملاعب للأطفال في الأحياء السكنية. نُنظِّميوماً بدون سيارات، هو عادةً يوم الأحد حيث يصبح شارع الحبيب بورقيبة المتنفس للعائلات وتُقام فيه أنشطة ثقافية وفنية وغنائية. يتم ذلك عبر الاستعانة بإمكانياتنا الذاتية المحدودة، ولكن هذه هي مطالب السكان.
إلى جانب ذلك، نسعى إلى إنارة الطرقات وتحسين البنية التحتية لتحفيز الاستثمار والتنمية. نحن كسلطة لامركزية ندعو إلى أن تكون السلطة التنفيذيه قوية من أجل إرساء حوكمة سليمة في البلدية. ومن أولوياتنا أيضاً وضع برامج استثمارية كبيرة لتحسين البنية التحتية والنموذج العمراني في تونس عبر الشراكة بين القطاعَين العام والخاص. لدينا شراكة مع العديد من المؤسسات الأخرى مثل منظمات المجتمع المدني من بينها برامج السلامة المرورية، وسوف نشارك في المنتدى الدولي للسلامة المرورية الذي سيُقام في شهر شباط/فبراير. ونريد بناء تونس لأن هناك العديد من المباني المعرَّضة للسقوط، وليست لدينا الإمكانيات للترميم الثقيل. هناك الكثير، كما قلنا، من البلدان والمنظمات الداعمة للانتقال الديمقراطي في تونس ولوصول امرأة لأول مرة إلى منصب محافظ مدينة تونس بعدما كان يُشغَل من قبل الرجال فقط ولعقود، وأن تكون تونس رائدة في هذا المجال ورائدة في حقوق المرأة والانتقال الديمقراطي ورائدة في انتخاب المرأة وتواجدها في موقع القرار بعد 160 عاماً، وهذا فخر لنا وللمرأة العربية.
فيما يخص الانتخابات، لا أعتقد أنه سيكون لها تأثير، لأن مجلسنا البلدي متماسك جداً رغم اختلاف انتماءاتنا السياسية، فقد زرعنا في هذا المجلس قيمة الوحدة ولا خيار سواها. هدفنا أن نعمل من أجل المواطن، ممكن قبل الانتخابات سيكون هناك تشنجات، وهذا يحصل في كل الانتخابات الديمقراطية وكل المجتمعات. أن يكون هناك تنافس سياسي ولكن ليس تناحراً سياسياً، الفرق بيننا وبين بعض التجارب الأخرى أننا نتنافس ونتصارع بالكلام والتعبير وليس بالسلاح ولا بالتصفيات. تنافُسنا الحقيقي اليوم هو في تقديم برامج تنهض بالاقتصاد التونسي والمواطن التونسي. المواطن اليوم هو الذي يكون في مهب الأحزاب السياسية، أريد أن يكون التنافس مشروعاً على أساس برامج انتخابية مستقبلية واضحة بعيداً عن الوعود الزائفة أو الوعود غير الواقعية.
كيف تتطوّر الأمور في ما يتعلق بتطبيق قانون اللامركزية؟ وكيف أثّر القانون في عملك وما هي تداعياته السياسية والمالية على تونس؟
قانون (مجلة) الجماعات المحلية وإرساء اللامركزية هو مجموعة القيم العامة أو هو قانون فصول عامة. تلك الفصول بحاجة إلى نصوص ترتيبية تطبيقية لتلك المبادرة العامة الموجودة بالقانون. النصوص التطبيقية هي التي تظهر عبر مراحل زمنية، حيث تُطبَّق القوانين بطريقة تراتبية خلال السنين لحين الانتهاء من الانتقال من المركزي إلى اللامركزي. نحن اليوم لنا ثقة كبيرة في أنفسنا ونحن داعمون للامركزية، لقد جئنا بنوع من الشراكة مع بعض المؤسسات والوزارات. وفي هذا الإطار يندرج مشروع الطبيب البلدي والمستشفى البلدي لأننا نؤمن بشدة بالدور الوقائي للطبيب والمراكز الصحية الأساسية. كذلك نعمل على توعية المواطنين عن التشخيص المبكر للأمراض والتي تكلّف الحكومة اعتمادات كبيرة. سوف نطلق مشروع الطبيب البلدي في الأيام المقبلة، تستفيد منه الأحياء الفقيرة بأجور رمزية ويكون موجوداً حتى في ساعات متأخرة من الليل. وننظّم أيضاً توعية بلدية في المدارس لتحقيق البيئة الصالحة للأطفال. نحن نعمل بجد ولم نقتصر على وظائفنا التقليديه لأننا نشعر بأننا انتخبنا لتحقيق أهداف كبرى لمستقبل تونس.
على الرغم من ترشّحك كمستقلة لمنصب رئيسة البلدية، ما زلتِ عضواً في النهضة. كيف يتطور، في نظرك، دور الحزب على المستوى المحلي في تونس، إنما أيضاً خارجها؟
حزب النهضة اليوم هو الحزب الأول بالانتخابات المحلية، ولديه أكبر كتلة برلمانية وهو ضامن الاستقلال السياسي في البلاد. إنه حزب مدني منفتح على جميع الناس، وهو داعم كبير للتوافق وأول حزب عربي يخرج من الحكم بطريقة غير دموية، أي إنه فضّل مصلحة البلاد على مصلحة الحزب. حزب النهضة اليوم منفتح على كل الشرائح في تونس. يعتمد الديمقراطية في تعامله، وكل شي يتم بالتصويت بطريقة ديمقراطية، وهو ضامن للحريات ويدعو للحريات، وكلنا نعرف أن حزب النهضة عانى من قمع الحريات، فلا يمكن أن يقلل من الحرية ولا يمكن أن يقلل من الحقوق وخاصة في ما يخص المرأة. إنه الحزب الوحيد الذي رشّح امرأة على رأس بلدية تونس العاصمة بخلاف كل الأحزاب التقدمية والأحزاب الداعية للمساواة بين الرجل والمرأة، والتي استنقصت، عند الحاجة، من قيمة المرأة، ولكن حزب النهضة قدّم امرأة لبلدية تونس والشعب انتخبها.
إن تجربة حزب النهضة في الحكم كانت تجربة مفصلية، فالدروس المستنبطة كانت عديدة؛ في هذه التجربة إما أن تنجح وإما أن تكتسب دروساً. التجربة الأولى لحكم النهضة بعد زمن من السرية والقمع لم تكن سهلة، كانت مرحلة تصالح مع الدولة والشعب، مع المواطنين والماضي، وتصالح مع التاريخ ورسم سياسة مستقبلية، أي إن المرحلة كانت صعبة وما زالت. قدّم حزب النهضة مؤشرات انفتاح جديدة أكثر تطابقاً مع الواقع السياسي الراهن، وهو يعمل على إرساء ذلك من خلال لوائحه في مؤتمراته الحزبية. تدعو اللوائح إلى المساواة واحترام حقوق المرأة، وإلى تطبيق الحقوق المدنية والفصل بين ما هو دعوي وما هو سياسي، أي إن الحزب الذي لا يتطور هو حزبٌ يتقهقر الى الوراء. اختارت النهضة أن تتطور وأن تنفتح على كل المواطنين، فلا يُشترَط أن يكون عندك معتقد خاص كي تكون في النهضة، فنحن نعلم أن النهضة رشحت يهودياً للانتخابات البلدية، وهي الحزب الوحيد الذي رشّح امرأة في العاصمة و لديه حالياً وزيرٌ يهودي.
واجهتِ تشكيكاً بعيد انتخابك لأنك امرأة في منصبٍ يحتكره الرجال تاريخياً. هل تبدّدت تلك الشكوك، وهل أثّرت في سعيك من أجل تعزيز حرية المرأة وتمكينها؟
وجدنا انتقادات من العديد من الشخصيات التي تقول كيف لامرأة أن تكون شيخة المدينة وكأنما الصفة الاعتبارية لشيخ المدينة أكبر من صفتها كامرأة. النقد كان من النخب والأحزاب التقدمية حتى إنهم قالوا كيف لامرأة أن تكون في جامع الزيتونة في ليلة القدر والمولد النبوي الشريف؟ نعم، لقد كنت في جامع الزيتونة في ليلة القدر والمولد النبوي قبل تنصيبي وبعده، ولاشيء في السنّة ولا في الحديث النبوي الشريف يمنع هذا. وكما قلت من قبل، إنها انتقادات وردود فعل بسيكولوجية نتيجة الانتخابات، ولكن المرأة التونسية لم تثبت جدارتها اليوم بل عبر السنين. لدينا العديد من الشخصيات النسائية. إنها مسيرة طويلة نضالية وما زالت مستمرة ومتواصلة وليس بالسهل أن نغير العقلية. كان القانون ضامناً لوجود النساء في البلدية حيث إن هناك 350 بلدية في تونس، وقد فرض القانون التكافؤ بين الجنسين من خلال جعل النساء يترأسن نصف قوائم المرشحين للأحزاب ذات القوائم الإنتخابية المتعددة. الجانب التشريعي مهم إنما تغير الثقافات والعقليات والرواسب الموجودة مهم أيضأ. ولكن اليوم، نجد انفتاحاً في تعاملنا مع الآخر، ونحن نتواصل يومياً مع الناس. من المؤكد أننا سوف نلقى انتقادات، بخاصة من النخب، ولكننا نتواجد كل يوم أحد مع الناس ونلمس فرحة كبيرة في أعينهم. وهناك أمل كبير بأن بلدية تونس ستتجاوز أزمتها مع المجلس البلدي الحالي.
وفي هذا النطاق، من المؤكّد أننا نعمل على دعم المرأة التونسية. لدينا خمس عشرة لجنة في المجلس البلدي، ترأس المرأة 11 لجنة منها. لقد أصبحنا رمزاً للمرأة التونسية والمرأة العربية. فرحت كثيراً عندما زارني الوفد الأميركي لدعمي، وقدّم لي الدعم أيضاً زوارٌ من ألمانيا وروسيا، واعطاني نفس كبير جداً. لا بد من أن ننجح في مهمتنا حتى نبرهن أن النساء قادرات على كسب الرهان وكسب المرحلة إن شاء الله .
تم تنقيح المقابلة لدواعي الأسلوب. أجرت المقابلة انتصار فقير ونقل أنمار جريس نص المقابلة.