لقد أصبح التعاون العسكري عنصراً أساسياً في السياسة الخارجية التي تنتهجها الإمارات العربية المتحدة منذ احتجاجات 2011. فقد انضمت الإمارات، بعد الانتفاضات العربية، إلى جهود مناهضة الثورات التي تقودها السعودية في مختلف أنحاء المنطقة، ولكن السياسة الخارجية الإماراتية لا تقتصر فقط على المساعدات الخارجية التقليدية التي تندرج في إطار رد الفعل على تطورات معينة. بل إن أبو ظبي اعتمدت موقفاً طموحاً واستباقياً وعسكري الطابع في المنطقة.
واتخذت أبو ظبي، من خلال هذه السياسة الخارجية الاستباقية، مواقف منحازة لجهات معيّنة في بعض النزاعات الأهلية مع الالتزام في الوقت نفسه بعمليات السلام المتعددة الأطراف في أماكن أخرى. وساهمت الاندفاعة الداخلية لتطوير الإمكانات الدفاعية الإماراتية في تيسير هذه المقاربة النشطة. وقد نجحت الإمارات في أن تُقدّم نفسها في صورة "أسبرطة الصغيرة" من خلال المظاهر التقليدية للقوة الصلبة مثل شراء الأسلحة، وبناء القدرات الدفاعية الوطنية، والوضعية العسكرية الجاهزة لمواجهة المخاطر. ولكن التركيز الإماراتي على التعاون العسكري أوسع نطاقاً إلى حد كبير. وقد سعت الإمارات أيضاً إلى تبنّي عناصر من القوة العسكرية الناعمة، بما يشمل نقل المعارف وبناء القدرات. يقول ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان، إن العقيدة العسكرية الإماراتية تقوم بصورة أساسية على تسليح العناصر البشرية بالمعرفة. وفي نهاية المطاف، يدعم تشارُك المعارف تطلُّع الإمارات إلى الحصول على الاعتراف في موقع القوة النافذة عالمياً.
يتيح التعاون في مجال التدريب العسكري، الذي يُشكّل راهناً جوهر القيمة المضافة للسياسة الخارجية الإماراتية - يُتيح إذاً للإمارات إقامة علاقات ثنائية جديدة أو تعزيز العلاقات القائمة. فقد قدّمت الإمارات المتحدة، في الأعوام العشرة الماضية، التدريب والتعليم العسكريَّين للعديد من الكيانات في الشرق الأوسط وأفريقيا وغرب آسيا. يساهم هذا الدعم في توسيع شبكة التحالفات الإماراتية مع الدول والأفرقاء المحليين في الخارج، ما يؤدّي إلى تعزيز النفوذ الجيوسياسي للإمارات. وتتيح هذه السياسات أيضاً تعزيز صورة الإمارات في موقع الدولة المقتدرة والموجَّهة نحو الاستقرار.
في تسعينيات القرن الماضي ومطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ركّز التعاون العسكري الإماراتي على بناء السلام. فقد أرسلت الإمارات جنوداً لمؤازرة عمليات دعم السلام بقيادة الغرب في أماكن مثل الصومال وكوسوفو وأفغانستان. ولكن حدث تحوّل في السياسات في أعقاب احتجاجات 2011 حين انخرطت الإمارات في مبادرات عسكرية متعددة الأطراف. ففي عام 2011، تولّت المقاتلات النفّاثة الإماراتية فرض التقيّد بالمنطقة المحظورة الطيران في ليبيا خلال العمليات التي قادها حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضد قوات معمر القذافي. ونفّذت الإمارات أيضاً طلعات جوّية في سورية في إطار التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية بين عامَي 2014 و2015.
وفي الآونة الأخيرة، عمدت الإمارات إلى تعزيز بصمتها العسكرية، من خلال الانخراط المباشر ومؤازرة أطراف معيّنة، ولو اختلفت درجات الانخراط، في الحرب الأهلية الليبية واليمنية. وقد شنّت القوات الإماراتية هجمات جوّية ضد القوات المتمركزة في العاصمة الليبية طرابلس، كما قدّمت دعماً عسكرياً برّياً للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
يُشكّل التعاون الإماراتي في مجال التدريب والتعليم العسكريَّين المحرّك لسياسة البلاد الخارجية؛ فالقوات الإماراتية تؤمّن عادةً التدريب العسكري للبلدان أو المناطق حيث انتشرت سابقاً لحفظ السلام. ففي الصومال مثلاً، ساهم الجنود الإماراتيون في بعثة حفظ السلام المعروفة باسم "قوة العمل المتحدة" (يونيتاف) تحت قيادة الولايات المتحدة، والتي نُشِرت هناك في عام 1992 وتُقدّم التدريب والمعدات لشرطة بونتلاند البحرية منذ عام 2011، وللشرطة والقوات العسكرية في أرض الصومال منذ عام 2018. وفي أفغانستان، يشارك نحو 200 جندي من القوات الخاصة الإماراتية في قوة المساعدة الأمنية الدولية بقيادة الناتو منذ عام 2003. وفي الآونة الأخيرة، قامت الإمارات بتدريب مجنّدين التحقوا بقوات النخبة الأفغانية لمكافحة التمرد منذ عام 2018، وفي العام نفسه، انضمت الإمارات، بصفة دولة شريكة، إلى مهمة "الدعم الحاسم" التي ينفّذها الناتو في أفغانستان.
وزادت الإمارات العربية المتحدة أيضاً انخراطها في غرب أفريقيا بهدف تعزيز نفوذها. وركّزت الإمارات بوجهٍ خاص على بلدان مجموعة دول الساحل الخمس مثل بوركينا فاسو وتشاد ومالي والنيجر، إضافةً إلى استثماراتها في الاقتصاد والبنى التحتية في مالي وموريتانيا. وقد ساعدت الإمارات على إنشاء أكاديمية عسكرية في موريتانيا تحت اسم كلية محمد بن زايد للدفاع في عام 2016 لتدريب كبار الضباط في قوة مجموعة دول الساحل الخمس. ومن خلال الجمع بين التدريب والتجهيز بالمعدّات، قامت الإمارات بتزويد مالي بـ30 آلية مدرّعة من طراز "تايفون" و15 آلية مدرعة خفيفة الوزن مصنوعة في الإمارات من طراز "كوغار"، فضلاً عن تدريب القوات التابعة لدولة مالي في الأكاديمية العسكرية لمجموعة دول الساحل الخمس المموَّلة من الإمارات في عام 2020.
تؤمّن الإمارات التدريب والتعليم العسكريَّين للقوات النظامية والقوات المحلية الهجينة على السواء، ما يكشف عن براغماتية استراتيجية ومرونة. فعلى سبيل المثال، عملت الإمارات على إعادة بناء الروابط الدبلوماسية مع سورية من خلال استرضاء بشار الأسد عن طريق تأمين التدريب العسكري للجيش النظامي. وفي اليمن، أدّت الإمارات دوراً لافتاً في تنظيم الميليشيات وتدريبها وتجهيزها بالمعدات في المناطق الساحلية الجنوبية والغربية منذ انطلاق العملية العسكرية ضد الحوثيين بقيادة السعودية في عام 2015. ولاحقاً تمت مأسسة بعض هذه الميليشيات، مثل قوات الحزام الأمني وقوات النخبة الحضرمية، تحت إدارة وزارة الداخلية والجيش على التوالي، فتحوّلت إلى قوات هجينة. ودفع تركيز الإمارات على مكافحة التمرد وإرساء الاستقرار بالإماراتيين إلى العمل إلى جانب القوات المحلية الهجينة التي قاموا بتدريبها، وكذلك العمل معها ومن خلالها، مثلما هو حال العمليات التي تقودها الإمارات ضد تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب في جنوب اليمن. وفي اليمن أيضا، أدّت استراتيجية التدريب والتجهيز التي تعتمدها الإمارات إلى نشر آليتها المدرّعة القتالية "عجبان 440A" من صنع شركة نمر الإماراتية.
وترمي هذه الجهود التدريبية والتعليمية في المجال العسكري على تحقيق الهدف الإماراتي المتمثل في تحويل أبو ظبي إلى مركز إقليمي للتدريب والتعليم في القطاع الدفاعي. فقد استضافت الإمارات مثلاً برنامجاً بإدارة ألمانية لتدريب الشرطة العراقية بالتعاون مع مدرّبين من الشرطة الاتحادية بين عامَي 2003 و2011. وعلاوةً على ذلك، أنشأت أبو ظبي فرقة نسائية في عام 2018 من خلال تدريب جنديات عربيات لحفظ السلام في أكاديمية خولة بنت الأزور العسكرية للنساء. تجمع هذه المبادرة بين بناء القدرات وتعزيز الصورة الدولية، كما أنها تُشكّل جزءاً من الاتفاق الذي وقّعته وزارة الدفاع الإماراتية مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة من أجل زيادة أعداد الجنديات في قوات حفظ السلام. وقد ضم الفوج الأول، الذي تخرّج في نيسان/أبريل 2019، 134 امرأة من الإمارات والبحرين والسعودية والأردن واليمن ومصر والسودان. وباشر الفوج الثاني التدريب في كانون الثاني/يناير 2020، وشاركت فيه أيضاً نساء أفريقيات وآسيويات.
تسعى الإمارات إلى تعزيز صورتها في موقع الدولة القادرة على دعم الشركاء الأقل استقراراً من خلال تركيزها على التدريب العسكري. وبدلاً من تشجيع شركائها على بناء المؤسسات على نطاق واسع، يرمي التعاون الإماراتي في مجال التدريب العسكري إلى ترسيخ مكانة الإمارات الجيوسياسية من خلال تعزيز الاستقرار بواسطة خطوات تدريجية وقابلة للتكييف. وسوف يتيح ذلك في نهاية المطاف للإمارات بأن تتحوّل إلى جهة نافذة وبأن تكتسب قوة وفعالية خارج إطار مناطق نفوذها المباشرة فيما تحافظ أيضاً على الالتزام بإطار الاستقرار الذي تقول إنها تدعمه.[1] والتعاون في مجال التدريب العسكري مرتبط أيضاً، بالنسبة إلى القيادة الإماراتية، بصورة البلاد على الساحة الدولية وسمعتها ومكانتها.
انطلاقاً من الأهداف العسكرية الداخلية التي تتمثل ببناء هوية وطنية متماسكة استناداً إلى المسؤولية المجتمعية، والاعتزاز، والإحساس بالواجب، والدافع الوطني، يتيح التعاون الإماراتي في مجال التدريب والتعليم العسكريَّين للبلاد القيام بخطوة طموحة إلى الأمام. وفيما يُنظَر إلى النزعة العسكرية بأنها علامة وطنية مسجّلة، تعمل الإمارات على ترجمتها إلى محرّك للسياسة الخارجية.
إليونورا أرديماغني زميلة بحثية مشاركة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI) ومساعِدة تدريس في جامعة ميلانو الكاثوليكية.
[1] انظر Victor Gervais and Saskia van Genugten (eds.), Stabilising the Contemporary Middle East and North Africa. Regional Actors and New Approaches, Springer Palgrave MacMillan, 2020.