المصدر: Getty
مقال

السودان: أجساد النساء ليست ساحات للمعارك السياسية

كسرت النساء السودانيات حاجز الصمت إزاء جريمة العنف الجنسي الممارس لتصفية الخلافات السياسية.

 أمل هباني
نشرت في ١٦ مارس ٢٠٢٣

كسرت النساء السودانيات حاجز الصمت إزاء جريمة العنف الجنسي الممارس لتصفية الخلافات السياسية والذي ارتفعت وتيرته في الأعوام السابقة في السودان.  فمنذ أن اندلعت ثورة ديسمبر في العام    2018 ارتفعت معدلات العنف الجنسي ضد النساء لتصفية الصراعات السياسية في السودان، والتي وصلت الى ذروتها في فض الاعتصام العنيف للمتظاهرين السلميين المطالبين بحكومة ذات أغلبية مدنية أمام القيادة العامة في الثلاثين من يونيو 2019. أذ قامت قوات الدعم السريع ترافقها قوات نظامية اخرى بفض الاعتصام بوحشية متناهية سقط خلالها عشرات القتلى والجرحى واثناء ذلك تم اغتصاب ما يزيد عن سبعين امرأة (بينهم رجال) تتهم بالضلوع فيها قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي نائب رئيس مجلس السيادة السوداني. وتمظهر اصرار النساء على مقاومتهن للإيذاء الجنسي في حوادث مختلفة لكنها متشابهة الدلالات على مقاومة الاعتداء الجنسي. 

 
تداعيات الاعتداء الجنسي على ابنة مسؤول لخلافات سياسية

في يناير الماضي اتهم الأمين العام للجنة إزالة تمكين نظام الإنقاذ ومحاربة الفساد واسترداد الأموال المجمدة الطيب يوسف  جهات سياسية  لم يسمها بتعرض  ابنته للعنف الجنسي عقب اختطافها لتصفية خلافات ذات طبيعة سياسية تتعلق بعمله في اللجنة (المجمدة) المناط بها استرداد أموال الشعب السوداني من حكومة الإنقاذ التي تم الإطاحة بها بواسطة الثورة السودانية في ابريل 2019. رد الفعل كان غاضبا وعلت أصوات النساء أكثر إذ خرجت عشرات النساء في تظاهرات غاضبة رافضة لاستخدام أجساد النساء في تصفية الصراعات السياسة مطالبة  بالكشف عن الجناة وتقديمهم للعدالة. لم تكن تلك المرة هي الوحيدة التي يعلو فيها صوت النساء هادما جدار الخوف من العنف الجنسي فقد خرجت النساء، قبل ذلك، في مظاهرات عمت عددا من أحياء العاصمة على خلفية اغتصاب 8 نساء في محيط القصر الجمهوري أثناء مظاهرات منددة بالانقلاب العسكري على السلطة المدنية. في ديسمبر من العام2021 كما أعلنت ذلك رئيسة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة سليمة إسحق. خروج النساء في هذه التظاهرات هو رسالة للمُعنِفين وللمجتمع بأن النساء يستبسلن من أجل إيقاف العنف الجنسي المبني على النوع. والذي مورس بأبشع الطرق في النزاعات المسلحة في أطراف السودان خاصة دارفور التي مارست فيها القوات الجنجويد المدعومة من حكومة الانقاذ آنذاك العنف الجنسي على نطاق واسع بغرض إذلال النساء ومجتمعاتهن التقليدية وموروثاتها التي تعتبر الاعتداء على النساء هتكاً وإذلالا لشرف القبيلة والأسرة بأكملها. 

اغتصاب النساء في تابت

 استخدام الإيذاء الجنسي ضد النساء في المعارك ليس جديدا فقد تركزت حوادث الاغتصاب في مناطق النزاعات المسلحة خاصة في دارفور حيث اتُهمت قوات حكومية ومليشيات الجنجويد المدعومة من قبل نظام الانقاذ. ففي نوفمبر 2014 اتهمت هيومن رايتس ووتش الجيش السوداني باغتصاب ما يزيد عن مئتي امرأة في قرية تابت شمال دارفور وعزى التقرير إحجام الضحايا عن كشف ما حدث للتخويف والتهديد الذي انتهجته الحكومة تجاه الضحايا.  

أجساد النساء ليست ساحات للمعارك السياسية       

ممارسة السلطات للعنف الجنسي هو محاولة لكسر شوكة النساء. ومقاومة النساء للأذى الجنسي من ذوي السلطة السياسية لا يمكن أن يقرأ بمعزل عن حراك النساء ودورهن في ثورة ديسمبر منذ اندلاعها. فقد تقدمت النساء الصفوف ببسالة وشجاعة بحثا عن الحقوق والحريات التي عانين كثيرا من فقدها طوال سنوات الإنقاذ. تواصل النساء رفع أصواتهن للمطالبة بالعدالة النسوية رغم الخذلان الذي لاقينه في الاهتمام بقضاياهن وبمشاركتهن السياسية لضمان تعزيز الأجندة النسوية التي من أولوياتها عدم إفلات مرتكبي جرائم العنف الجنسي المبني على النوع من العقاب وضمان حصول الناجيات على حقوقهن كاملة. لكن ذلك قوبل بالإهمال حتى من رفقاء العمل السياسي. فكل الاتفاقيات المبرمة بين أطراف الحكومة الانتقالية التي انقلب عليها المكون العسكري في اكتوبر من العام 2021 خلت من أي إشارة لملاحقة مرتكبي جرائم الاعتداء الجنسي ولا توجد في الوثيقة الموقعة بين  المكون العسكري الذي انقلب على الحكم المدني مستأثرا بالسلطة  وبين القوى المدنية (الاتفاق الإطاري) في ديسمبر الماضي أي إشارة  لإنصاف ضحايا العنف الجنسي سواء في مناطق النزاع المسلح أو في العاصمة والولايات التي تشهد مظاهرات سلمية لما يزيد عن أربع سنوات مطالبة بتحقيق الحرية والسلام والعدالة، حيث  تشارك فيها النساء بكثافة حالمات بدولة يعشن فيها بوافر الحقوق والكرامة الإنسانية.

أمل هباني كاتبة صحفية من قائدات التغيير في السودان. نالت عدة جوائز عالمية لدفاعها عن قضايا الحقوق والحريات منها جائزة اللجنة الدولية لحماية الصحفيين 2018. وجائزة أمنستي امريكا للنساء المدافعات عن حقوق المرأة والطفل (جانيتا ساقان 2015).

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.