المصدر: Getty
مقال

التطبيع حصة النظام السوري من الزلزال

أغلق الزلزال المدمر، الذي ضرب سوريا وتركيا، مدنا لكنه فتح بابا لكسر عزلة النظام السوري عربيا.

 تيم الحاج
نشرت في ١٨ أبريل ٢٠٢٣

يعيش النظام السوري أفضل حالاته بعد أن أرخت دول عربية مؤثرة في الملف السوري الحبال له، وفتحت أبوابها أمام ممثليه لإجراء تفاهمات في الغرف المغلقة لرسم مسارات التواصل بينهما لاحقا.

بات واضحا أن زلزال 6 فبراير الذي حرك الأرض بعنف جنوبي تركيا وصولا إلى سوريا والذي أضرّ بالملايين، قد خدم، ولايزال، النظام السوري، إذ بدأت أولى المواقف المتجاهلة لمقاطعة النظام من السعودية ومصر صاحبتا أكبر الأدوار في هندسة السياسات الجامعة للدول العربية في المنطقة.

يُجمع مراقبون على أن الزلزال رفع أعمدة مبادرة عربية للحل في سوريا، تسلمها بشار الأسد خلال زيارته الرسمية لسلطنة عمان في 20 من فبراير، وهذه هي الزيارة الأولى له منذ نحو 10 سنوات.

 تتالت خيوط هذه المبادرة مع زيارة وفد برلماني يمثل 8 دول عربية لدمشق، على رأسه رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، الذي ترأس مؤخرا اتحاد البرلمانات العربية، ولا شك أن لهذا المنصب حساسيته في هكذا زيارة. قبلها تلقى الأسد اتصالا من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، هو الأول بينهما، كما زار وزير خارجية مصر سامح شكري،  ورئيس وزراء الأردن أيمن الصفدي دمشق.

أهداف متعددة

برزت مقولتان تفسران التحركات تجاه دمشق، الأولى تصب في بلورة مبادرة حول سوريا تتضمن إحياء المفاوضات المباشرة بين المعارضة السورية والنظام لكتابة دستور جديد، والتمهيد لانتخابات برلمانية ورئاسية، وهذه مثلت لسنوات وجهة النظر السعودية.

الأخرى تعكس مواصلة الإمارات محاولاتها تعويم بشار الأسد ونظامه، وهذه المرة من بوابة الزلزال إذ وجدت فيه فرصة للدفع باتجاه انفتاح عربي على دمشق. يتماشى هذان المعطيان مع سياق عام في خريطة العلاقات الدبلوماسية والتحالفات الجديدة التي يشهدها الشرق الأوسط، عموما، أبرزها التطور الأخير في العلاقات السعودية الإيرانية، التي لا بد لها وأن تنعكس على واقع الدول العربية وحلفائها الإقليميين وعلى رأسها سوريا.

مسارات ممهدة

شهدت السنوات الماضية محاولات دبلوماسية عديدة قادتها الإمارات والجزائر والأردن برضى بحريني مصري ومباركة عمانية لإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، وطي صفحة أكثر من عشر سنوات من القطيعة العربية.

إلا أن تلك المحاولات اصطدمت برفض سعودي وتمسك قطري بحل وفق ما أقرته الأمم المتحدة وخاصة القرار رقم 2254 الذي يعد خارطة الحل في سوريا، وذلك يعد انعكاسا للرغبة الأميركية والغربية عموما، التي تصر على تذكير الجميع بأن النظام السوري ارتكب مجازر وفظائع بحق السوريين.

لكن زلزال 6 فبراير  غيّر اتجاهات بعض الدول، وسرّع عجلة التقارب بين النظام السوري ودول المقاطعة كالسعودية التي هبطت طائراتها في مطاري دمشق وحلب للمرة الأولى منذ نحو عقد.

إلى جانب هذا، هناك الشرعية الزائدة التي أبدتها الأمم المتحدة تجاه النظام إذ سلمته، بسبب الزلزال، مصير مئات العالقين تحت الأنقاض  وآلاف المشردين في الشمال السوري، حيث أصرت على أنها لن تتجاوز موافقة دمشق في مسألة إدخال المساعدت للمتضررين، وهو ما تسبب بموجة انتقادات واتهامات لاذعة للمنظمة الأممية من قبل مؤسسات المعارضة السورية وأخرى مهتمة بحقوق الإنسان، إضافة إلى اعتراف موظفي المنظمة نفسها في التقصير بإدخال المساعدات.

تحركات متسارعة

زار بشار الأسد موسكو منتصف فبراير 2023 لسماع رأي موسكو في ضرورة إجراء لقاء رباعي مع تركيا وإيران لفتح مسار جديد في الحل بسوريا من وجهة نظر موسكو وأنقرة. هذا الاجتماع لم يكن ليعلن عنه قبل أن تبدي طهران رأيها به، فأرسلت وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان إلى دمشق لإبلاغ بشار الأسد بموافقتها. ولا يمكن فصل هذه الزيارات عن سياق عام يشي بتحرك إقليمي ودولي تجاه لملمة بعض الملفات العالقة، من بينها سوريا وعلاقتها بتركيا.

كما وجدنا الصين مثلا تتوسط بين السعودية وإيران لإعادة العلاقات بينهما، وهذا من شأنه أن ينعكس على ردود فعل البلدين تجاه الحل في سوريا.

السعودية بوابة الخليج

حط الأسد رحاله في الإمارات مع زوجته أسماء بعد زيارة موسكو لمدة ثلاثة أيام ظهر فيها بمراسم رسمية ومقابلات على أكبر مستوى، ما يوحي بأنه محمل بدعم و رضى روسي لأي صفقة من شأنها أن تدفع بمسار إعادته للجامعة العربية للأمام.

سبق ذلك بوقت قصير تصريحات هامة ومختلفة عن سابقاتها، تحمل مؤشرات لتغيير في الموقف، أدلى بها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أكد فيها على أن الوضع القائم في سوريا غير قابل للاستدامة وأن أي مقاربة جديدة ستتطلب حوارا، لا محالة، مع حكومة دمشق.

يبدو أن مسارات التطبيع مع الأسد قادمة من بوابات مختلفة لحاجات ومصالح متبادلة سواء من الرياض1 أو أنقرة لكنها ستبقى مرهونة بالفشل إذا ما حدثت، كونها مقيدة بملفات والتزامات يصعب على جميع الأطياف تنفيذها كالانسحاب التركي من سوريا الذي يلوح به النظام السوري، والحد من تدخلات إيران بأمن المنطقة التي تطالب به السعودية في سوريا واليمن.

ولعل أهم مُعطل لمسار التطبيع مع الأسد هو الفيتو الذي تصر على رفعه واشنطن بوجه جميع السائرين في هذا الطريق، قبل إقناعها بجديته وفائدته.

تيم الحاج صحفي استقصائي، ومعد ملفات معمقة في الشؤون السورية. لمتابعته على تويتر: @taim_alhajj

ملاحظة: 

1- كتب المقال قبل اجتماع تسع دول عربية في مدينة جدة يوم الجمعة 14 أبريل، لمناقشة إنهاء عزلة سوريا الديبلوماسية. وتاليا زيارة وزير الخارجية السعودي يوم 18 أبريل وتوجيه الدعوة للرئيس السوري بشار الأسد لزيارة السعودية. 

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.