في 31 تموز/يوليو، أعلن وزير المالية المصري محمد معيط أنه يُتوقَّع أن يبلغ معدل الدَين إلى الناتج المحلي الإجمالي 97 في المئة هذا الصيف، بزيادة هائلة تصل إلى 16.8 في المئة مقارنةً بما كان عليه في حزيران/يونيو 2022. وسوف تبلغ الاحتياجات المصرية من التمويل الخارجي في السنة المالية الحالية والمقبلة ما لا يقل عن 41.5 مليار دولار أميركي، من دون احتساب 14 مليار دولار أميركي هي قيمة الديون للحلفاء الخليجيين، والتي يُتوقَّع تجديدها. إنها مؤشرات واضحة على أزمة الديون المتفاقمة في مصر التي هي بأمس الحاجة إلى مصادر تمويل.
في هذه الحالة، قد يُتوقَّع من حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي توحيد جميع الموارد العامة المتاحة. ولكن تدقيقًا سريعًا يكشف عن ثلاثة مصادر مختلفة للأموال العامة غير مدمجة بالكامل في موازنة الدولة، وهي الهيئات الاقتصادية، وصناديق الأموال الخلفية، والشركات المملوكة من الجيش.
هناك 59 هيئة اقتصادية مملوكة من الدولة تعمل في 12 قطاعًا، من البناء إلى السياحة، ولديها موازنات مستقلة تساوي مجتمعةً موازنة الدولة بأكملها. نظريًا، يمكن تحويل التمويل الإضافي من الهيئات إلى موازنة الدولة، ولكنها تسجّل خسائر في الأعوام الأخيرة، وقد بلغت قيمة هذه الخسائر 169.7 مليار جنيه مصري في السنة المالية الحالية بعدما كانت 86.3 مليار جنيه مصري في عام 2018، وتعوّل على موازنة الدولة لسد الفجوة. لا يتلقّى مجلس النواب الذي يجب أن يمنح موافقته على التحويلات من موازنة الدولة إلى الهيئات سوى رقم إجمالي عن ميزانيات الهيئات، ما يحدّ من سلطته الإشرافية في مراجعة النفقات المخطط لها. علاوةً على ذلك، يمكن أن تحصل الهيئات الاقتصادية على قروض مدعومة من الدولة، والتي تُقدَّر قيمتها بـ251 مليار جنيه مصري خلال السنة المالية الجارية، ولا ترد في موازنة الدولة.
تخضع صناديق الأموال الخلفية للإدارة المباشرة للوكالات والوزارات الحكومية، بما في ذلك وزارتا الدفاع والداخلية. وعلى الرغم من أن الهدف من هذه الأموال كان في البداية تخفيف العبء على موازنة الدولة وتوفير المرونة للوزارات. الحقيقة هي أن هذه الصناديق تعمل وكأنها إقطاعيات مستقلة. لم تُعتمَد أي آلية إشرافية، ولا يزال الغموض يلفّ هذه الصناديق بشأن عددها وقيمتها؛ فقد بلغ مجموع الأموال في هذه الصناديق، وفقًا لأفضل التقديرات المتاحة من عام 2014، 9.4 مليارات دولار أميركي، ويمكن لهذا المبلغ أن يقطع شوطًا طويلًا للتخفيف من أزمة الديون.
ختامًا، هناك الشركات المملوكة من الجيش والمعفيّة من الضرائب التي لا تزال حساباتها المالية قيد الكتمان أيضًا. تبلغ حصّة الجيش، وفقًا لتصريح صادر عن السيسي في عام 2016، 1.5 إلى 2 في المئة من الاقتصاد المصري (2.39 مليار إلى 4.46 مليارات دولار أميركي). لقد طبعت البصمة العسكرية المتنامية وسيطرة الجيش على السياسة الاقتصادية نظام السيسي وشكّلت أحد الأسباب الجذرية لأزمة الديون الراهنة. والحال هو أن أحد الشروط الأساسية التي فرضها صندوق النقد الدولي لحصول مصر على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار أميركي العام الماضي هو إصلاح هيكلية الحوكمة في هذه الكيانات، وإلغاء إعفائها من الضرائب وتوفير فرص متكافئة للقطاع الخاص.
يتيح هذا المشهد المجزّأ للنظام وحلفائه في بيروقراطية الدولة الاستحواذ على الأموال العامة والتعتيم على الكسب غير المشروع، مع إضعاف قدرة مجلس النواب على مراقبة الإنفاق العام. تضطلع الهيئات الاقتصادية والجيش، مثلًا، بدور أساس في سعي النظام لبناء العاصمة الإدارية الجديدة. وهذا المشروع الضخم الذي تُقدَّر ميزانيته بـ58 مليار دولار أميركي تنفّذه شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية المملوكة لوزارة الدفاع وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وهي هيئة اقتصادية خاضعة لوزارة الإسكان. لقد أتاحت هيكلية التملّك هذه للمسؤولين في النظام القول إن المشروع مستقل عن موازنة الدولة، على الرغم من أنه يستخدم أموالًا عامة. ومكّنت هذه الهيكلية أيضًا النظام من استخدام قروض وديون مدعومة من المصارف الحكومية لتمويل المشروع، في غياب الإشراف البرلماني ومن دون إدراجها في موازنة الدولة.
في حين يساعد تجميع موارد الدولة النظام على معالجة الأزمة المستفحلة، فإنه في نفس الوقت، يزيد من سلطة مجلس النواب ويضعف قدرة النظام وحلفائه على الاستحواذ على الأموال العامة. قد تساعد الموازنة المجزّأة وغير الشفافة على ضمان استقرار الائتلاف الحاكم وبقاء النظام، ولكن مصر ستدفع الثمن من عافيتها المالية في الأجل القصير والطويل.
ماجد مندور محلل سياسي يساهم بانتظام في Arab Digest، وMiddle East Eye وOpen Democracy ومؤلّف كتاب Egypt Under Sisi (مصر في عهد السيسي) الذي سيصدر قريبًا.