المصدر: Getty
مقال

تداعيات سياسات الإفقار في اليمـــن

 

يُكابد اليمنيون أوضاعاً اقتصاديّةً صعبةً، ليس فقط في مناطق سيطرة الحوثيين، بل وفي مناطق الحكومة الشَّـرعية بسبب الحرب المُستمرة منذ نحو عشرة أعوام، وتداعيات الحرب الاقتصادية المتبادلة ببين أطرافها.

 محمد علي ثامر
نشرت في ١٢ سبتمبر ٢٠٢٤

تذهب التقارير الدُّوليَّة إلى أن اليمن قد حاز المرتبة الثَّانيّة في قائمة الدُّول الأكثر تضُّـرراً من الجوع الحادّ، وأن مأساة اليمنيين تتضاعف جراء استمرار ارتفاع معدلات الجوع وسوء التَّغذية والفقر والحرمان، وتدني الحصول على الخدمات الأساسية وضياع الفرص الاقتصادية، لتصبح اليمن واحدةً من أسوأ الأزمات الإنسانيّة في العالم، كما أن تطوُّر الصِّـراع في البحر الأحمر جعل البلد يعاني من انحسار المساعدات الإنسانيّة والتَّمويلات الخارجيّة الهادفة إلى تقليص تداعيات الفقر وانهيار مستويات المعيشة.

 دخل اليمن في أتون حربٍ أهليّة سبَّبت العديد من الأزمات الاقتصاديّة؛ كانهيار سعر صـرف الرِّيال والتَّقلبات الحادَّة في تداوله، وارتفاع معدل التَّضخم، واشتداد الاضطرابات الاجتماعيَّة ما أدى إلى تراجع أداء القطاعات الاقتصاديّة؛ الأمر الذي جعل اليمنيين يلومون طرفي الصِّـراع على حدٍّ سواء، وإن حاول كل طرفٍ أن يرمي بها على عاتق الطَّرف الآخر.

 آثار السِّياسات الاجتماعيّة والاقتصاديّة

منذ بداية الحرب، عملت أطراف الصِّـراع على تعطيل تعافي الاقتصاد اليمني، وذلك باستمرارها في سياسة تجويع اليمنيين واستنزافهم، فضلاً عن مضاعفة الضَّـرائب على مؤسسات القطاع الخاص، وشكلت حلقات إفقارهم دورةٍ مُغلقةٍ من الجوع والإذلال والحرمان؛ نتيجة للسياسات التالية:

سياسات اقتصادية غير مدروسة:

مثَّل نقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن في عام 2016 – بحسب مختصين – بداية الأزمة الاقتصاديّة الحقيقيّة التي عصفت بالبلاد، ثم توالت بعدها: طباعة عملةً جديدة دون غطاءٍ نقدي، وبكمياتٍ هائلة بلغت 6 تريليون ريال يمني، ثم حدوث الانهيار المتتالي لقيمته أمام سلة العملات الأجنبيّة، حتى فقدت 80 في ا لمئة من قيمتها منذ 2014، صَاحبها ارتفاعٌ كبير في معدل التَّضخم وتراجعٌ أكبر في القوة الشَّـرائية للمواطنين، حيث وجَّهت معظم الأسـر أكثر من 60 في المئة من دخلها لإنفاقه على الغذاء وحده.

  سياسة غياب الشَّفافية وتفشـي الفساد:

يذهب كثر إلى اعتبار أن فساد الحكومة الشَّـرعية هو واحدٌ من سياسات الإفقار لليمنيين، بل وسببٌ رئيس في انهيار الاقتصاد والخدمات والعُملة، حيث عملت هذه الحكومة على موارد الدولة بغرض توجيهها لمصلحتها السِّياسيّة والعسكريّة، وعدم إنفاقها في إصلاح المؤسسات الخدميّة المُتعلِّقة بحياة المواطنين، واستمرارها بهدر الفرص لتحسين الأوضاع الإنسانيّة في المناطق الخاضعة لها، وهذا الفساد ليس حِكراً على الحكومة، بل طَاوَلَ أيضاً الحوثيين كما أقرَّ بذلك برلمانيون في صنعاء.

   سياسة تجويع اليمنيين وإفقارهم:

عملت الأطراف المُتصارعة وتحديداً الحوثيون على انتهاج سياسةٍ اقتصاديّةٍ واجتماعيّةٍ تقوم على اختراع آلياتٍ نهبٍ متجدِّدة لامتصاص الموارد، وتجاوز نهب موارد الدولة للمجهود الحربي، وفرض الإتاوات اليوميّة، والتَّبرعات لدعم الجبهات، إلى اقتسامٍ مصادر دخل المواطنين واستنزافهم مالياً، عن طريق فرض المزيد من الضَّـرائب والإتاوات والزَّكوات، في مقابل حرمان أكثر من مليون موظف يمني من رواتبهم للسنة التاسعة؛ الأمر الذي دفع الطَّبقة الوسطى من الموظفين والأكاديميين إلى حافَّة الفقر المُدقع.

سياسة ملاحقة المُنظَّمات الإنسانيّة:

تدخلَّت منظَّمات دوليّة ومحليّة في تقديم مساعداتٍ إنسانيةٍ في اليمن؛ ولكنها تعرَّضت للعديد من الضُّغوط وتحديداً في مناطق سيطرة الحوثيين، أبرزها سجن موظفيها، وملاحقة المُنظَّمات المحليّة والاستيلاء على مقراتها وحساباتها البنكيّة، لتهدف كما تقول العديد من التقارير إلى تعزيز قبضتها على كل أنواع المساعدات وتوجيهها لتحقيق أهدافها وخدمة مجهودها الحربي.

 أدِّت سياسات الحكومة الشَّـرعية والحوثيين إلى تفاقم الوضع المعيشـي لليمنيين؛ فبحسب تقريرٍ جديد صادر عن البنك الدولي فإن الاقتصاد اليمني يواجه عقباتٍ كبيرة، نتيجةً لهذا الصِّـراع المستمر والتَّوترات الإقليميّة، حيث شهد نصيب الفرد انخفاضاً بنسبة 54 في المئة من إجمالي النَّاتج المحلي، ما ترك أغلب اليمنيين في دائرة الفقر؛ أي أن نصف السُّكان واقعون تحت تأثير انعدام الأمن الغذائي، وتزداد هذه النسبة أكثر في مناطق الحوثيين حيث بلغت 59 في المئة، كما أن تقارير أُمميّة قد وضَّحت بأن 17 مليون يمني يعانون من انعدام التَّغذيّة الحادّ، وأن 21.6 مليون بحاجةٍ ماسّةٍ للمساعدات الإنسانيّة؛ هؤلاء يشكلون 75 في المئة من تعداد السُّكان.

وضَّح مؤشـر غالوب أن 7-10 يمنيين غير قادرين على تحمل تكاليف الغذاء، بسبب فقدان أكثر من 5.5 مليون يمني عامل لأعمالهم نتيجة الحرب وهذه السِّياسات، أما ‏تقرير منظمة اليونيسيف فقد أورد أن أكثر من 6 ملايين طفل على بعد خطوةٍ واحدةٍ من المجاعة، وأن أكثر من 11 مليون طفل بحاجةٍ ماسّةٍ لمساعداتٍ إنسانيّة، وأن كل عشـر دقائق يموت طفلٌ يمني بسبب المجاعة والأمراض التي يمكن الوقاية منها، وأن هناك نحو 4 ملايين نازح داخلي يعيشون ظروفاً صعبةً وقاسية.

 يدعو  باحثون وخبراءُ أطرافَ الصِّـراع في اليمن لاتخاذ قراراتٍ شجاعةٍ ومسؤولة لإنقاذ البلاد من التَّدهور المضطرد على كافة المستويات، وأهم هذه القرارات إنهاء الانقسام السِّياسـي وتحييد المؤسسات الماليّة والنَّقديّة، والتَّوصل إلى اتفاق سلامٍ دائم يمكن أن يُؤدي إلى تحسين الآفاق الاقتصادية لليمن، جنباً إلى جنبٍ مع تدفق المساعدات الماليّة الخارجيّة وجهود إعادة الإعمار. غير أن الوضع القائم في اليمن قد يستمر طويلاً في ظل الصراع، وقرارات القيادات المتنازعة، والتخبط في رسم السياسات.

 

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.