لقد كنت تواجه محاكمة بتهم مختلفة هل يمكنك شرح سياق محاكمتك وما الذي تغير مؤخراً في وضعك؟
بعد مرور خمس سنوات على متابعتي القضائية الأولى بتهمة "تهديد سلامة الدولة" والفساد المالي يتم استهدافي مرة أخرى –هذه المرة بشكل مباشر – عبر خلق تهم مالية صرفة مجرّدة من الطابع السياسي.
السبب هو أني دائماً أعبّر بقوة وصراحة عن رفضي لكل التجاوزات التي تمس حريّات وحقوق المواطنين كرئيس لفريدم ناو كما أناهض قمع الصحافة الحرّة واعتقال النشطاء وأعبر عن ذلك بثلاث لغات، وخصوصاً باللغة الإنجليزية، وهكذا توالت تقاريرالمديرية العامة للدراسات والمستندات(لادجيد) ضدي والتي ذكرت انّي أفضح النظام بالخارج وهو ما لم يتحمّله النظام الذي اتهمني زوراً بـ"تهديد سلامة الدولة، وإضعاف ولاء المواطنين للمؤسسات الوطنية، والتعامل مع منظمات خارجية معادية للمغرب." بعد اشتداد الضغوط عليّ، ومنعي من السفر في 16 سبتمبر/ أيلول 2015، قرّرت أن أخوض إضراباً مفتوحاً عن الطعام دام 24 يوما. انتصرت أخيرا ورُفع عني حظر السفر، لكن خسرت صحتي كما ظلّت المتابعة القضائية مستمرة، فمنذ عام 2015 والقاضي يأمر بتأجيل النظر في القضية. ومنذ ذلك اليوم وأنا ممنوع من تدريس طلبتي، أو إلقاء المحاضرات في الجامعات المغربية. في خضمّ كل ذلك، تلقيت تضامنا هائلا ومساندة كبيرة من الحقوقيين والمناضلين السياسيين الديمقراطيين، والمنظمات غير الحكومية، من المغرب والعالم العربي وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
وعبر الاتهامات المالية الصرفة يأمل النظام ألا أتلقّى مساندة من الرأي العام الوطني والدولي. إنّ الهدف الأوّل من التهم المالية يتمحور في إضعافي أمام الرأي العام، إذ قبل مدة كتبت بعض الصحف التابعة للمخابرات ما مضمونه أنه من الخطأ متابعة منجب بتهم سياسية، حيث من الأفضل مقاضاته تحت لافتة التهم المالية أو الجنسية، هذه الصحف كتبت تحديدا هاته الكلمات. إن النظام يتعمّد اتهامي بالفساد المالي لأني يساري، والمال بشكل عام مسألة حسّاسة عند اليساريين والديمقراطيين.
لماذا تعتقد أن هذه الاتهامات لها دوافع سياسية؟ لماذا يجذب عملك الانتباه؟
ماتغير اليوم وأعني سبب هذا الهجوم الأمني الإعلامي العارم عليّ وعلى أسرتي هو أني ذكرت مديرية مراقبة التراب الوطني (لا ديستي)، وهي فرع من المخابرات المغربية، ودورها السياسي المتزايد في البلاد فقد تحولت إلى بوليس سياسي أكثر وأكثر. لقد أشرت الى دورها في قضية التجسس عبر برمجية (بيغاسوس) التي تباع للحكومات فقط، طبقا لمنظمة العفو الدولية، واستخدامها على هاتفي، ودورها في اعتقال الصحفيين عمر الراضي والتجسس على هاتفه وفي قضية الصحفي سليمان الريسوني واعتقاله من قبل ١٥ عنصرا أمنيا وكأنه ارهابي. هذ لا يعني أن كل ما يقوم به الأمن المغرب سيء، فقد أصبحت الأجهزة الأمنية المغربية وخصوصا منذ 2015 ذات كفاءة عالية في محاربة الإرهاب.
أيضا هناك أسباب قديمة لمتابعتي، فقد ساهمت في تنظيم اجتماعات وندوات تهدف إلى إحداث تقارب بين العلمانيين والإسلاميين المعتدلين المغاربة بقصد خلق جبهة ضد الاستبداد ومن أجل الديمقراطية، ولأجل خفض التوتّر الذي كان يهدد السلام المدني في البلاد بعد الأحداث الإرهابية بالدار البيضاء في 2003. كما عملتُ في نفس المدة على تنظيم عدة دروس في التكوين في الصحافة الاستقصائية للصحفيين الشباب والصحفيين المواطنين والتي استفاد منها مئات الصحفيين على امتداد التراب المغربي خلال سنوات طويلة فتكاثرت التحقيقات الصحفية حول فساد النخبة والإدارة والأمن. دربنا الصحافيين على تطبيق (ستوري ميكر) الفعال فاتهمني الأمن رسمياً بتهديد السلامة الداخلية للدولة وكانت التهمة الرسمية هي (ستوري ميكر) وإضعاف ولاء المواطنين للدولة بسبب التحقيقات الصحفية الجادة. أظن أن هذه هي الأسباب التي دفعت النظام لكي يتهمني بتهديد سلامة الدولة.
تهدف التهم المالية الكاذبة ضدي إلى كبح وتسفيه نشاطي في مجال حقوق الإنسان بالمغرب والمنطقة لأنّ مواقفي وكتاباتي لا تروق للنظام. لا ترغب السلطات المغربية في خطاب يسمّي الأشياء بمسمياتها، ويقول مثلاً إنّ المخابرات المغربية هي من تتكلّف بحماية النظام سياسيا، وتكمن الحماية بالنسبة إليها في إسكات الأصوات المعارضة والمنتقدة للسلطة سواء أكانت تقدمية أم محافظة دينية. دائماً ما أذهبُ في اتجاه هذا التحليل: أي أن جهاز المخابرات المغربية أصبح له وزن كبير في القرار السياسي المغربي، وبفضل نجاحه في محاربة الارهاب أصبح يتدخل في السياسة وخصوصاً على مستوى القرارات المتعلقة بتدبير النخبة السياسية الحزبية وبالقرار الإعلامي وهذا خطير على البلاد وعلى الأمن. أصبحت الأجهزة الأمنية تحدد محتوى وطبيعة خطاب أغلب المؤسسات الإعلامية. وطبعاً هذا التحليل الفاضح لا يروق لأصحاب القرار.
كيف ترى المناخ العام الذي تعيش فيه المعارضة السياسية وحرية التعبير وكيف تؤثر حالة الوباء العالمي على الوضع بالبلاد؟
تراجعت حريّة الرأي والتعبير بشكل كبير بالمغرب انطلاقاً منذ عام 2013، وتراجع معها العمل السياسي، إذ أصبحت الأغلبية الساحقة من الأحزاب تابعة للنظام، وتطبّق السياسات المختارة من لدن النخبة الثرية التي تسيطر على مقدرات البلاد الاقتصادية وتتحكم في زمام الأمور، ولهذا أصبح المثقف والصحفي المستقل يلعب دور المعارض، عوضا عن الأحزاب السياسية الخانعة بالضغط والتشهير والشراء. وهو الأمر الذي أدّى بالمخابرات المغربية إلى استهداف من ينتقد السلطة بكلمات صريحة كالاستبداد والفساد وطغيان البوليس السياسي على الكثير من مناحي الحياة العامة، هذا الاستهداف يتم عبر فبركة تهم الحق العام ضدهم، وهي تهم تتمحور حول الجنس والمال.
انتهز النظام انتشار "كوفيد 19" لقمع المعارضة والضغط على الحقوقيين، حتى أن الحكومة حاولت تمرير مشروع قانون 20.22 الذي يهدف إلى الحد بل والتضييق الخطير على الحريّات في الفضاء الرقمي وهو تقريباً المجال الوحيد الذي يتوفر على التعددية وبعض الحرية، لكن يقظة المجتمع المدني-الافتراضي المغربي حالت دون ذلك، إذ اضطرت الحكومة إلى سحب مشروع القانون السالف الذكر. النظام يشعر أن هناك غضبا قويا داخل الفئات الشعبية بسبب الهشاشة التي ازدادت بسبب الوباء رغم محاولات الدولة للحد من أضرارها الاقتصادية. لكن الفساد ينخر الاقتصاد ويعرقل التنمية بشكل كبير. شعور النظام بهذا الغضب وإمكانية الانفجار هو الذي يدفعه إلى تقوية مراقبة المجتمع واعتقال العناصر النشيطة التي يمكن أن يتجمع حولها الناس من حقوقيين وصحافيين أو متابعتهم بتهم خطيرة.
هل كانت هناك ردود أفعال على التطورات الأخيرة في قضيتك وما هي الخطوات التالية في العملية؟
عدد كبير من الصحف العربية المستقلة والإسبانية والفرنسية والبريطانية والأمريكية تحدثت عن قضية متابعتي قضائيا من جديد بتهم كاذبة، وقدّمت الأسباب الحقيقية والسياسية للاتهامات الجديدة، إذ أغلب المقالات التي أطلعتُ عليها، تقول بأني مضطهد من لدن النظام المغربي بسبب كتاباتي المنتقدة باللغات الثلاث، ومواقفي المناهضة لسيطرة أجهزة الأمن على الحياة السياسية وتحكم عملائها في الإعلام والأحزاب السياسية والمغرب ليس الوحيد الذي يأخذ هذا الاتجاه، كما أن حالتي ليست نادرة هناك اضطهاد جمال عيد بمصر وخالد الدرارني بالجزائر مثلا.
وبشأن خطواتي التالية سأقوم بالطعن أمام المحكمة المختصة في أسس ومشروعية البحث القضائي المسيس الذي يستهدفني. وبالطبع سأستمر في النضال من أجل الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان كما عهدني الناس، وبنفس الحماس. تلقيت كذلك دعما كبيرا من منظمات حقوق الإنسان، مغربية كانت أم أجنبية، وأنا أشكرهم على كل ما قاموا به من أجل الدفاع عني وعن كل المناضلين الديمقراطيين. سأبقى أتحدث بالحق على الرغم من الضغوط التي نتعرّض لها أنا وأسرتي. وعلى سبيل المثال زار بوليس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية (البينبيجي) منزل أختي أربع مرات في أسبوع واحد، كما زارت نفس الشرطة منازل أعضاء آخرين من عائلتي واستنطقوا لمدة ساعات، ولحد الآن ثلاثة أعضاء من عائلتي بمن فيهم إحدى أخواتي المسنات اضطروا للذهاب إلى الدار البيضاء حيث مقر البوليس السياسي، وهذا أمر غير قانوني، فالواجب هو استدعاؤهم في الدائرة التي يسكنون فيها.
تلقيت كذلك دعما كبيرا من منظمات حقوق الإنسان، مغربية كانت أم أجنبية، وأنا أشكرهم على كل ما قاموا به من أجل الدفاع عني وعن كل المناضلين الديمقراطيين. وآمل أن يستمر دعمهم، وأن تستمر الصحافة المهنية، المغربية والدولية، في الحديث عن الأسباب الحقيقية لاستهدافي، وسياق الاتهامات الجديدة الكاذبة، والتجسس عليّ ومتابعتي حتى بالخارج. والاتهامات الجديدة التي وجّهت إليّ لن تؤثّر في دفاعي عن حقوق الإنسان، أعدُ أصدقائي والقراء أني سأبقى وفياً لقول الحق ومناهضة الظلم والدفاع عن المظلومين بالسجون السياسية. و أدعو كل المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى مساندتي وعائلتي ومساندة كل القضايا العادلة، كقضية المناضلين الريفيين المعتقلين ومنهم ناصر الزفزافي وقضية عمر الراضي وسليمان الريسوني وكل الصحفيين المعتقلين.
معطي منجب مؤرخ مغربي ومحلل سياسي وناشط في مجال حقوق الانسان.
أجرت هذه المقابلة يوم 14 أكتوبر انتصار فقير، رئيسة تحرير"صدى" وزميلة في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي.